قصة مروّعة لفلسطينيّ ترك لبنان واعتقلته سوريا.. هذه رواية تعذيبه!
نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً تحت عنوان “الضابطة الفدائية… أداة نظام الأسد للتنكيل بالفلسطينيين”، وجاء فيه:
لعل كثيرين لا يعرفون أن الجهاز الأمني الذي كان يلاحق الفلسطينيين في سورية في عهد النظام السابق كان يسمى “الضابطة الفدائية”، وهو يتبع لفرع فلسطين (293) ضمن شعبة الأمن العسكري. كان الهدف من إنشاء “الضابطة الفدائية”، وهي جهاز استخباري عسكري، التغلغل في أوساط الفصائل الفلسطينية الموجودة في سورية والتجسس على قياداتها وملاحقة عناصرها.
مرحلة تأسيس الضابطة الفدائية
مع تأسيس الضابطة الفدائية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، كان مقرها في شارع حلب بدمشق ورئيسها العميد أسعد صباغ، ثم جرى نقل المقر مع السجن الملحق به إلى منطقة الروضة، وتحديداً منزل الرئيس السوري الأسبق
أمين الحافظ، ورئسها العميد عبد الرحمن قاسمو، الذي تقاعد في بداية الثورة السورية، ليبادر على الفور إلى تغيير كنيته بدائرة النفوس العامة إلى كنية الفارس، يقيناً منه بأن النظام زائل، وسيحاسب كل مجرم عمل معه، وهو منهم
كانت “الضابطة الفدائية” تضم ثلّة من الضباط وصف الضباط الذين اعتمدوا النزعة الانتقامية من الفلسطينيين، وفق شهادات العديد من الأشخاص ممن تعرضوا للاعتقال والتعذيب على أيديهم، فضلاً عن ابتزاز الفصائل الفلسطينية في دمشق، وإرهاقها بطلب الرشاوى لتمرير أي طلبات تخصها، مثل إلزام الفصائل بترخيص سياراتها وآلياتها بشكل سنوي، والحصول على أذونات خاصة عند مغادرة سورية أو القدوم إليها، وهذه أشياء لا تتم الموافقة عليها إلا بعد دفع رشاوى كبيرة. وكانت أموال الفصائل خزّاناً لا ينضب لهؤلاء الضباط، فضلاً عن الهدايا للضباط والمساعدين والذين كانوا يطلبون الأموال بشكل مباشر وعلناً، وبعضهم طلب شراء بيت له وحصل بالفعل على ما أراد، كما يقول مسؤول في واحد من هذه الفصائل لـ”العربي الجديد”، فضّل عدم الكشف عن اسمه.
واعتباراً من مطلع ثمانينيات القرن الماضي، جرى توقيف آلاف الشبّان الفلسطينيين المنتسبين للفصائل، فتعرضوا للإذلال المتعمد والجلد بكابلات الكهرباء والتفنن بأساليب التعذيب
يقول علي ب.، وهو كادر في أحد الفصائل الفلسطينية، لـ”العربي الجديد”، إنه جرى توقيفه أكثر مرة في سجن الروضة، ثم في سجن الضابطة الفدائية الثاني بمنطقة العدوي، حيث تعرض للتعذيب والضرب بكابلات الكهرباء، وذلك بتهمة وقوف الفصيل الذي ينتمي إليه مع الشرعية الفلسطينية في مواجهة حركة أمل اللبنانية التي هاجمت آنذاك في ثمانينيات القرن الماضي المخيمات الفلسطينية في لبنان. ويشير علي إلى أن المسؤول عن التحقيق الرائد أحمد كوجان كان يتعكز على عصا عند نزوله للقبو تحت الأرض للتحقيق مع المعتقلين وإعطاء الأوامر لمجموعات الجلّادين الذين كان يرأسهم، ومنهم المساعد محمد إبراهيم. ويضيف أن المحقق كوجان كان يعتمد على التعذيب، مستهلاً تحقيقه بسؤال وهمي لا جواب له، أو رواية نكتة تمس الرئيس جاءتهم في تقرير أمني، ليبدأ بعد ذلك جولة التعذيب مباشرة.
روايات التعذيب
من جهته، يروي أحمد الطيب، وهو أحد الذين مرّوا بتجربة الاعتقال في سجن الضابطة، لـ”العربي الجديد”، أنه في إحدى حملات الاعتقال داهموا بيت ربحي سخنيني، الكادر الفلسطيني في مخيم النيرب بحلب، الساعة الثالثة فجراً، واقتادوه مع
نظيم فاعور، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، وأبو سراج، زوج المناضلة سعاد قدورة، واستقبلهم الرائد أحمد الكردي وعناصر من الضابطة. وسأل الضابط: من منكم ربحي سخنيني؟ وهجم عليه العناصر بالضرب خصوصاً على وجهه بالأحذية حتى أغمي عليه. وهنا صاح في وجههم نظيم فاعور: كفى إجراماً والله العدو لا يفعل ما تفعلونه.
ويقول السجين السابق أحمد عامر لـ”العربي الجديد”: “كنا في معتقل الضابطة بالعدوي نحو 200 كادر من كل الفصائل، في (قاووش) عبارة عن غرفتين مفتوحتين بعضهما على بعض، ومن يقف على قدميه يفقد مكانه، كانت الفصائل ترسل لنا حلوى وألبسة يسرقها السجانون ولا يصلنا منها شيء”. كما يروي السجين الفلسطيني السابق ناصر نجم، من مخيم اليرموك، لـ”العربي الجديد”، تجربة اعتقاله في سجن الضابطة الفدائية، ويقول: “بعد حوالي يومين أو ثلاثة على ما أعتقد، حيث لم نكن نعرف الليل من النهار، أيقظوني من النوم وأخذوني إلى النقيب محسن. كان هو والسجان رضا في غرفة التحقيق. طلب مني خلع ملابسي، وبقيت باللباس الداخلي ووجهي للحائط. ودون أن يسألني أي سؤال طلب من السجان رضا: جهزوا واعملوا دوش مرتب لهالحيوان”.
ويضيف: “بعدها مباشرة بدأ رضا يضربني بكابل الكهرباء على ظهري ورجلي لأكثر من ربع ساعة وأنا وجهي للحائط، ورغم ذلك بقيت متماسكاً، إلى أن أمسك رأسي من شعري وضرب وجهي بالحائط ثلاث مرات، فبدأ الدم ينزل من أنفي وفمي، بعدها ضربني بشيء ما على رأسي من الخلف، فوقعت على الأرض وأغمي علي. أيقظني بسكب الماء عليّ، لأجد النقيب
محسن خلف الطاولة ورضا يضع قدمه على صدري ودمي يسيح على الأرض. طلب المحقق مني مسح الدم عن الأرض بكنزتي، وسمحوا لي بالجلوس وظهري للحائط بينما بقي رضا يضغط بقدمه على صدري، ثم بدأ التحقيق معي بسؤالي عن سفري إلى قبرص واليونان، وماذا فعلت هناك وكيف ذهبت وكم مكثت وكم مرة سافرت، وهل كان معي أحد، وقال إنه يعرف كل شيء وأن يوسف الدرباس الذي كان معتقلاً معي والذي كان معي برحلة قبرص أخبره بكل شيء. وأنا بدوري رويت له كل شيء عن الرحلة، وقلت له إننا كل مرة نقعد شهرين أنا ومجموعة من أربعة شبان من ضمنهم يوسف درباس بجوازات سفر يمنية ونذهب إلى مدينة ليماسول، ومرة سافرت إلى اليونان لمدة أسبوع، وكانت مهمتنا فقط زيادة تأمين وحراسة مقرات منظمة التحرير الفلسطينية على أثر الانشقاق عن حركة فتح الذي قام به أبو موسى وأبو خالد العملة (1983)، وبسبب التهديدات المحتملة في وقتها من مجموعة “فتح الثورة” التابعة لصبري البنا (أبو نضال)، حيث ضاعفت وقتها حركة فتح الحراسة على كل مكاتب منظمة التحرير في الدول الأوروبية”. ويتابع: “طبعاً كل تأخير بالإجابة مني أو إذا نسيت شيئاً ما يبادر رضا إلى ضربي بالكابل وبحذائه العسكري”
ويقول إنه “خلال المدة التي اعتقلت فيها بفرع الضابطة الفدائية، خضعت لحوالي 15 جلسة تحقيق وتعذيب منها ست جلسات تعذيب عن السفر
لقبرص واليونان. لكن جولات التعذيب الأقسى كانت عن موضوع أفراد المجموعة التي انشقت عن اللواء 85 في الجيش السوري خلال حصار بيروت من جانب إسرائيل عام 1982، وغادر أفرادها بيروت معنا على متن السفينة إلى تونس”. ويضيف: “أبلغت المحقق بأنني رأيتهم مرة واحدة فقط في مطعم السفينة وقت الخروج من بيروت، وكان عددهم حوالي 20 عنصراً، ومعهم ضابط برتبة رائد، وربما مكثوا في تونس في أحد المعسكرات التابعة للجيش التونسي. لكن المحقق لم يصدق كلامي، وتعرضت لتعذيب شديد على (بساط الريح)، حيث يربط المعتقل على قطعة من الخشب، فيبدو كأنه يحلّق وتنهال عليه أساليب التعذيب المختلفة”
كان سجن الضابطة الفدائية يكتظ بالمعتقلين في بعض الفترات تزامناً مع سخونة الأحداث على الساحة الفلسطينية ويعجز عن استيعاب جميع الموقوفين، فيتم إرسال الفائض إلى سجن صيدنايا أو سجن المزة أو توزيعهم على بقية الفروع الأمنية، بمن فيهم قادة من حركة فتح جرى خطفهم من لبنان، مثل توفيق الطيراوي وغيره.
وبعد العام 2000، جرى دمج الضابطة الفدائية مع فرع فلسطين. وتتبّع بعض الضحايا مصير بعض هؤلاء السجانين، ومنهم
أحمد كوجان الذي سبق ذكره، وجرى تسريحه برتبة عقيد، وحاول العمل في مجال المحاماة باعتباره درس الحقوق، لكن لم ينجح بذلك، ثم توفي بعد فترة. ومن بين من عُرف مصيرهم من ضباط وعناصر النظام ممن خدموا في الضابطة الفدائية، المساعد محمد أبو سرية، الذي جرت تصفيته في مخيم اليرموك على أيدي أهالي قريته جاسم في محافظة درعا بعد اندلاع الثورة السورية. ومات العقيد عمر درويش ودفن في بلدته الباب بريف حلب، فيما انتحر المقدم نادر زنبق في دمشق