خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
قبل يومين من موعد جلسة انتخاب فخامة الرئيس العتيد ؛ يبدو أن الأطراف المشاركة في هذا الاستحقاق تنتشر على مساحتي الوضعين الإقليمي والدولي بالإضافة إلى مساحة الأزمة الداخلية اللبنانية المتشعبة.
وبكثير من الثقة يمكن القول ان هذه الانتخابات الرئاسية هي أخطر انتخابات في تاريخ لبنان؛ وليس فقط أكثرها أهمية. والأسباب التي تدعو لإطلاق هذا الوصف عليها كثيرة ويبقى أهمها التالي:
أولاً- هي أخطر انتخابات نظراً لأن المجتمع الدولي والعربي يحذر لبنان من أنه من دون أن يكون هناك رئيس جمهورية منتخب خلال هذه الفترة؛ فإن أحداً في العالم لن ينظر إلى لبنان على أنه دولة يمكن التعامل معها، ويمكن – وهذا بيت القصيد – الالتزام معها بتنفيذ اتفاقات.
وهنا يجب لحظ وجود فرق مستجد، مفاده أنه في الفترات السابقة كان الخارج بدأ يعتاد الفراغ الرئاسي في لبنان، كما بدأ الداخل يتصرف وكأنه يستطيع تسيير أموره الداخلية والخارجية من دون وجود فخامة الرئيس؛ والواقع أن عدم مبالة الخارج تجاه الفراغ الرئاسي في لبنان، شجع في الداخل فكرة أن “الحال ماشي” من دون فخامة رئيس، وأنه يمكن الاكتفاء بوجود دولة رئيس لتصريف الأعمال ودولة رئيس مجلس نيابي له قدرات المايسترو.
الجديد الذي يحمله اليوم استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية؛ هو أن العالم يضع نقطة على آخر سطر عدم مبالاته بعدم وجود رئيس جمهورية للبنان؛ حيث يقول بالفم الملآن: لا وجود للبنان فوق خارطة العلاقات الدولية من دون انتخاب رئيس للجمهورية الذي هو المدخل الضروري لإعادة إنتاج السلطة والدولة؛ وهو المدخل الضروري للتخاطب معه من قبل المجتمع الدولي بمواضيع غاية في الحساسية بالنسبة للبنان وقوامها التوقيع على عقد اتفاقات هدنة وتسويات تسمح بالحفاظ على وحدة أرضه، وتسمح بتأقلمه مع المتغيرات الجيوسياسية الجديدة التي تحيط به والتي تهدد سيادته.
لقد أظهرت المرحلة الراهنة أن أخطر عدو على سيادة ووحدة أرض لبنان، هو بقاء قصر بعبدا خاوياً؛ وأن أخطر ثغرة يحاول نتنياهو التسلل منها لتحويل وجوده العسكري في الجنوب إلى احتلال دائم هي ثغرة تحججه بأنه لا يوجد دولة في لبنان كي تضمن تنفيذ الاتفاقات التي وقعت عليها بيروت بشأن تنفيذ القرار ١٧٠١؛ وأن أكبر دليل على عدم وجود الدولة في لبنان، هو عدم قدرة اللبنانيين على انتخاب رئيس لجمهوريتهم ودولتهم..
بات واضحاً أن نتنياهو يتبع الخطة التالية: يرغب أن يحل يوم ٢٠ يناير موعد دخول ترامب للبيت الأبيض ولبنان في وضع أنه لم ينجح في انتخاب رئيس له؛ توصلاً للوصول إلى يوم ٢٧ يناير موعد انتهاء هدنة الستين يوماً، ليقول لترامب: لبنان لا يزال من دون رئيس ومن دون دولة والجيش اللبناني لا يمكنه تنفيذ مهامه؛ وعليه مع من ستلتزم إسرائيل في لبنان حتى تنفذ انسحابها من جنوب لبنان؟؟..
ثانياً- تظهر المجريات الراهنة والمذكورة أعلاه وذات الصلة باستحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، أن صلاحية موقع رئيس الجمهورية هي أهم بكثير من النظرة السائدة التي اعتادت أن ترى بأن مجلس الوزراء مجتمعاً أخذ الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية كما كانت عليه في الجمهورية الأولى؛ ذلك أن الواقع الراهن الحالي والمعاش الذي يمر به لبنان والمفعم بالتحولات الجيوسياسية، يقول ان العالم ينظر إلى الدولة في لبنان من ثقب عنوان رئاسة الجمهورية؛ وينظر إلى هذا الموقع على مدخل لبنان الوحيد والإجباري لإعادة إنتاج سلطة الدولة فيه؛ وأن هذا الموقع (رئاسة الجمهورية) هو الذي يقود لبنان في زمن البحث عن موقعه فوق بيئته الجيوسياسية المتوترة والمتحولة؛ وعليه فإن الاستنتاج الذي يحب أن يصل للجميع هو أنه في منطقة مثل الشرق الأوسط مليئة بالمتغيرات الجيوسياسية والبحث الدائم عن مفاوضات تفضي لاتفاقات؛ فإن توقيع فخامة الرئيس الأول الإجباري على هذه الاتفاقات؛ يمثل صلاحية استراتيجية لفخامة الرئيس، لها مرتبة “أم التواقيع والصلاحيات”.
ثالثاً- ما تقدم يقود لاستنتاج آخر مفاده أن صلاحيات موقع رئاسة الجمهورية لا تزال بخير؛ والمشكلة ليست بحجم الصلاحيات المتبقية لفخامة الرئيس بل بصلاح حال الذين تقع عليهم مهمة القيام بهذه الصلاحية؛ ومدى إسهامهم في تعزيز موقع الرئاسة الأولى بدل التضحية بالموقع من أجل إشباع الأنانية المهووسة بشغل الموقع..