الهديل

خاص الهديل: ساعات قبل جلسة ٩ يناير: “ليس بالديموقراطية وحدها يحيا لبنان”!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

بقي ساعات على موعد عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. وحتى هذه اللحظة غير معروف ما إذا كان سيتم انتخاب رئيس أم أن الجلسة ستنتهي على عدم انتخابه؛ ما يؤدي لاستمرار الفراغ الرئاسي الذي يظهر بوضوح أنه لم يعد مقبولاً دولياً.

المشكلة كما تتمظهر في هذه الساعات، لا تقع في أنه ليس معروفاً من هي الشخصية التي سيحالفها الحظ في جلسة الغد الانتخابية الرئاسية؛ فالغموض على هذا الصعيد مفهوم، بل مطلوب لأنه يعبر عن أن الجلسة تجري في ظل تنافس ديموقراطي صحي وليس ضمن ظرف وجود صفقة على إسم فخامته؛ ولكن المشكلة الحقيقية تقع في أن هناك مرشحين إثنين يتنافسان في جلسة الغد؛ وهما مرشح إمكانية حصول انتخاب للرئيس وإنهاء الفراغ الرئاسي وشلل إنتاج السلطة والدولة بمقابل مرشح إمكانية عدم انتخاب رئيس أي استمرار الفراغ وشلل الدولة..

 

.. وعليه حتى الآن يمكن تلخيص السباق الرئاسي على أنه سباق بين حل الأزمة الموجود فيها لبنان منذ نحو سنتين وبين الاستسلام لفكرة أن بلد الأرز يعيش تطبيقات المثل القائل “فالج لا تعالج”.

 

هناك أمر واحد يجعل المراقب يتفاءل بحصول انتخاب يوم غد، وهو أن جميع الأطراف يتهيبون – أو أقله يجب أن يتهيبوا – موضوع عدم انتخاب رئيس نظراً لأن فاقدي البصيرة والبصر فقط، وحدهم هم من يقبلون بتحمل مسؤولية النتائج المتربة عن استمرار الفراغ الرئاسية بعد يوم ٩ يناير واتصالاً بعد يومي ٢٠ يناير و٢٧ يناير.

 

والواقع أنه ليس فقط الأطراف المحلية تتهيب – أو يجب عليها أن تتهيب – خطورة تحملها مسؤولية تقصيرها بعدم انتخاب رئيس في جلسة ٩ يناير؛ بل أيضاً دول الخماسية الإقليمية والدولية الأرجح أنها تتهيب – أو يجب عليها أن تتهيب – من عدم نجاحها بانتخاب رئيس في لبنان. والسبب في ذلك أن لبنان دخل مرحلة جديدة بفعل تطور الحدث السوري؛ فهو بات ساحة تتفاعل الأحداث فوقها ارتباطاً بالتجاذب والتنافر الجديد القائم بين تل أبيب وأنقرة وفرنسا وتركيا وكل هؤلاء مع إيران التي لا تزال تقول ان لديها حساب لم يقفل بعد مع الولايات المتحدة الأميركية في لبنان!!.. 

 

وليس سراً أن فرنسا مضطربة من واقع أن تركيا صار لها “حدود نفوذ” مع لبنان، نظراً لوصول أحمد الشرع حليف أردوغان لقصر المهاجرين في دمشق.. فباريس وأنقرة بينهما حرب مطاردة إقليمية دائمة ظاهرة وخفية، لدرجة تجعل البعض يقول انه حيث يوجد في أي بلد علم نفوذ لتركيا، يخرج منه علم النفوذ الفرنسي، والعكس صحيح.

 

.. كما أن السعودية لم تعد تستطيع القول أنها غير مستعجلة وأنها تستطيع أن تنتظر حتى يتفق اللبنانيون على إصلاح حالهم؛ وأنها قبل حصول ذلك فالرياض لن تتحرك!!.. قبل الحدث السوري ربما كان لكلام السعودية هذا، ما يبرره؛ ولكن الآن بدأ سباق تنافسي إقليمي قوي على المحال الجيوسياسي في المنطقة؛ ومن يتأخر عن البدء في هذا السباق، سيجد نفسه يحصد ذات الندامة التي نالها الأرنب الذي سبقته السلحفاة.

 

خلاصة القول هنا أن لبنان بعد حدث سورية قد يكون مرشحاً لأن يصبح ساحة جديدة بإدارة مشغلين جدد، وهذه المرة أيضاً ليسوا عرباً.

ومثل هذا الاحتمال الذي تتعاظم إمكانية حدوثه تجعل لبنان بالنسبة لدول مثل السعودية ومصر والجزائر وحتى فرنسا ساحة دفاع عن النفس وليس مجرد ساحة تحصيل نفوذ عادي. وكل هذه التطورات الاستراتيجية يفترض أن تجعل السعودية تحتاج لإعادة نظر ليس فقط بموضوع الحضور في لبنان بل في موضوع ضرورة فعل ذلك الآن قبل الغد وحتى قبل فوات الأوان.

 

وضمن هذا المنظور الجديد لموقع لبنان في أحداث قادمة على المنطقة بعد الحدث السوري، يمكن القول أن استحقاق رئاسة الجمهورية سيكون مناسبة ليبين حجم التوافق الممكن إحرازه بين القوى اللبنانية الداخلية بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان وما خلفته من نتائج كارثية؛ ومعنى آخر سيظهر ما إذا كان لا يزال هناك إمكانية لخلطة تفاهم لبناني – لبناني يسهم في بعث أمل بناء دولة وإنهاء الشلل(؟؟).. وأيضاً سيظهر الاستحقاق الرئاسي مدى حجم التنسيق الدولي والإقليمي في لبنان وتجاهه ولأجله. 

 

قد يصح القول هنا انه “ليس بالديموقراطية وحدها يحيا لبنان”، بل في مواضع معينة وضمن تطورات معينة وظروف استثنائية يصبح التوافق ليس فقط أهم من الديموقراطية بل هو الديموقراطية الوحيدة المتيسرة لإنتاج سلطة في دولة تعاني ما يعانيه لبنان حالياً على كل المستويات. وهذا التوصيف عن أهمية التوافق ينطبق على حال لبنان قبل ساعات من عقد جلسة انتخاب فخامة الرئيس الذي من دونه فإن العالم لن ينظر إلى لبنان على أنه دولة وعلى أنه يمر بكارثة ويحتاج لإعادة إعمار الحجر والاقتصاد والثقة الدولية والإقليمية به.

فهل ينجح لبنان بانتخاب مرشح فخامة التوافق في جلسة يوم ٩ يناير الذي قد يكون مطلوباً أن يصبح يوم عيد الديموقراطية التوافقية اللبنانية القادرة وحدها على إنتاج حكم ودولة للظروف الاستثنائية.

Exit mobile version