خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
من حيث المبدأ كان من ضمن التوقعات المرجحة وصول العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية؛ وذلك لعدة أسباب، من بينها وجود قناعة واحتضان دولي وإقليمي لفكرة ترشيحه للرئاسة؛ وأيضاً وجود مقبولية شعبية عابرة للطوائف تدعم وصوله لقصر بعبدا. ولكن بالمقابل كان واضحاً أن القوى السياسية الحزبية المحلية تبدي فتوراً تجاهه وتعمل ضمناً لعرقلة وصوله.
معظم المراقبين كان لديهم تقدير يقول ان حظوظ وصول جوزاف عون لرئاسة الجمهورية مرتفعة جداً خارجياً وقليلة جداً بين سياسي الداخل وقوية جداً في أوساط الناس والرأي العام.
أحد الدبلوماسيين العرب لخص على نحو ذكي السبب الذي يجعل جوزاف عون هو المرشح الأوفر حظاً لنيل الرئاسة؛ حيث قال أن قائد الجيش يمثل “عنواناً دولياً سريعاً” للبنان؛ وهذه ميزة لا تتوفر بباقي المرشحين رغم أن لديهم علاقات خارجية.
يضيف الدبلوماسي: لا يختلف إثنان على أن الدولة اللبنانية بحمولتها السياسية كافة تقريباً، يوجد لديها أزمة ثقة من قبل المجتمع الدولي والعربي بها؛ وعليه فإن لبنان المنهار اقتصادياً وأمنياً، لا يحتاج فقط على نحو عاجل لترميم علاقاته بالخارج، بل أيضاً يحتاج لنوع من الإغاثة الدولية العاجلة؛ ووحده الذي يعرف العالم عنوانه السريع والمجرب والشفاف هو قائد الجيش جوزاف عون.
ويختم الدبلوماسي العربي بالقول: لبنان يحتاج لرئيس يمثل عنواناً دولياً سريعاً للبنان حتى يمكن إغاثة بلد الأرز.. وجوزاف عون هو هذا العنوان الدولي السريع؛ والمطلوب من اللبنانيين عدم إضاعة الفرصة.
أمر آخر مهم وغير مسبوق تضمنه معنى ترشيح جوزاف عون لرئاسة الجمهورية وهو أنه يمثل نقطة تقاطع ليس لمصالح القوى الداخلية والخارجية بل لحاجات هذه القوى.
وتفصيل هذه النقطة الهامة تظهر التالي: هناك فرق بين المصالح والحاجات؛ المصالح هي “أطماع”، فيما الحاجات هي رغبة بالإفادة من شيء إيجابي معين لمنع استمرار الواقع السيء. وترشيح جوزاف عون هو هذا الشيء الإيجابي المعين؛ وهو مثل استجابة لحاجة الجميع لتحسين الوضع السيء الذي بدأ ينهار على رؤوس الجميع وبدأ ينسحب من تحت أرجل الجميع كطبقات أرض يضربها زلزال.
.. كل الأحزاب اللبنانية تعيش أزمة أنها لم ولا تستطع إنتاج تداول للسلطة؛ وأنها تكتفي بالتمترس وراء منطق “أن الحق على الآخر” وأن الآخر هو من يعطل؛ وفي الفترة الأخيرة استهلك هذا المنطق؛ وأصبح بالياً ويثير اشمئزاز المواطن؛ وكان الحل المتبقي هو بالصعود إلى سفينة ترشيح العماد جوزاف عون للانتقال من صحراء الرتابة والتآكل إلى ضفة الحيوية والتفاعل؛ وللانتقال من أجواء مقاطعة العالم للبنان إلى أجواء عودته لبلد الأرز.. حتى حزب الله وجد بترشيح جوزاف عون مناسبة لنقل الضغط الدولي من فوق رأسه إلى فوق رأس نتنياهو؛ أقله بموضوع انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان؛ وأهمه بموضوع إعمار ما هدمته الحرب.
أضف لكل ذلك أن الجهد الخارجي المكثف الذي واكبت حماية حصول استحقاق يوم ٩ يناير يكشف خلفية استراتيجية يجب أن تعني المسيحيين وذلك من باب أن المجتمع الدولي والعربي لا يزال ينظر بعين التثمين لحقيقة أن فخامة الرئيس اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد في كل الشرق الأوسط. وعليه فإن بكركي كما قبلها الفاتيكان يجب أن تنظر بعين الرضى لهذا الاحتضان الدولي والعربي لحماية جلسة إنهاء شغور موقع الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط.
الحق يقال أن معنى ترشيح جوزاف عون قدم خدمات جليلة لأكثر من فكرة يحتاجها أكثر من طرف وأكثر من جهة وحتى لأطراف متناقضة.. فالمسيحية القلقة في الشرق نتيجة صعود صراع الهويات اطمأنت لعودة الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة إلى قصر بعبدا مصحوباً بثقة مسلمي ومسيحي لبنان وبثقة العرب المسلمين مثل الدوليين المسيحيين. والقوى السياسية اللبنانية المتخاصمة تصالحت على فكرة أن الرئيس الجديد تتوفر فيه مزايا أنه قادر على خلق نقاط مشتركة وطنية فيما بينها؛ وأهمية هذه النقاط تكمن في أن الرئيس الجديد لا يطرحها كنقاط للمساومة أو كنقاط رشوى كي يتم القبول بها بل يطرحها بوصفها قناعات للعهد ثبت أن عدم مقاربتها ستؤدي إلى استمرار أزمة البلاد والعباد.