الهديل

خاص الهديل: جوزاف عون ووفد المجلس الأعلى الشيعي: العودة لرؤية الصدر – شهاب

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة 

آخر شيء يريده الرئيس جوزاف عون هو أن يبدأ عهده بأزمة سياسية حادة مع الثنائي الشيعي الذي يملك كل التمثيل الميثاقي الشيعي في البرلمان. ولكن يحب لفت النظر إلى أن آخر شيء يريده الشيعة هو أن يبدأوا رحلة تعافيهم من نتائج حرب الإسناد بعداوة سياسية وميثاقية مع عهد جوزاف عون؛ خاصة وأن الأخير – وهذا أولاً – ليس مسؤولاً عن النتائج التي وصلت إليها معركة التسمية بين مرشحي الثنائي الشيعي والمعارضة؛ ولأن العهد – وهذا ثانياً – ماض مع ميقاتي أو نواف سلام بتنفيذ أولوياته التي وعد بها وهي إعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي.

وبمقابل أن رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد قال للإعلام يوم الإثنين في قصر بعبدا ما هي أولويات مطالب “الشيعة” من العهد، فإن الرئيس جوزاف عون بالمقابل قال أمس أمام وفد المجلس الشيعي الأعلى ما هو مطلوب من الثنائي الشيعي أن يقدمونه كي ينجح العهد في تنفيذ أول أولويات الشيعة والعهد وهي إعادة الإعمار. ومن كلامه ظهر واضحاً أن الرئيس جوزاف عون لم يطلب شيئاً لنجاح عهده، بل طلب أن يساهم الجميع في تسريع تشكيل حكومة نواف سلام حتى يصبح ممكناً تسريع مطالبة العالم بتقديم المال للبنان كي يعيد الإعمار. 

ومن يتبصر في كلامه لوفد المجلس الشيعي يلاحظ أن جوزاف عون أدلى بما يشبه الاستكمال لبيان القسم؛ أو أنه قدم شرحاً له؛ ولكن من داخل بنية نصه وثوابته.. وخصص هذا الشرح لعرض رؤية العهد للاستراتيجية التي ستقودها الدولة لمسح كل آثار العدوان – وليس الجزء المادي منه فقط – عن لبنان بعامة، وعن الشيعة بخاصة كونهم الأكثر تضرراً. 

وفي هذا التوجه عرض جوزاف عون لنقاط تثير الإهتمام: 

أولّها أنه إبن بيئة الجنوب؛ وهو لم يقسم فقط على دستور لبنان لحمايته؛ بل قرأ أيضاً في كتاب الإمام موسى الصدر عن علاقة الجنوب بالدولة وعن الأخوة الوطنية.

وهذا المعنى لبيئته الجنوبية تجعله يقدم نفسه بمعنى جديد يضاف لأكثر من معنى عام آخر في شخصيته الوطنية؛ وأبرز معنى جديد له هو أنه أول رئيس للجمهورية يأتي إلى قصر بعبدا من جنوب لبنان؛ وأنه الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط الذي يأتي إلى هذا المنصب من جنوب لبنان. 

ثانياً- جوزاف عون يعتبر أن العهد عليه واجب وطني هو إعطاء أولوية لإعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي في الجنوب والضاحية والبقاع. 

وبالتزامن مع ذلك فان على الثنائي الشيعي مساعدة العهد في مسعاه هذا من خلال دعم تسريع تشكيل حكومة نواف سلام نظراً لكون سرعة تشكيلها يؤدي إلى الإسراع بتحرك الدولة لمطالبة دول العام بتأمين المال لإعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي.

ثالثاً- أوحى الرئيس جوزاف عون ولمح وكاد يفصح بأنه كرئيس للجمهورية فإنه في سريرته وفي ضميره يرث مفهوم العلاقة الوطنية اللبنانية التي قامت بين الرئيس فؤاد شهاب والإمام موسى الصدر؛ حيث أن “إمام الشيعة” و”قديس الموارنة السياسي” حينها إتفقا وتعاهدا وتقاطعا عند نقطة غاية في الأهمية، وهي أنه لا بد من العمل لتوسيع القاعدة الإجتماعية للدولة لتصل إلى الأطراف في الجنوب والبقاع وعكار والشمال، ولا تبقى محصورة فوق مساحة المركز؛ وأنه ضمن هذا التوجه يجب إيصال دولة الخدمات والمواطنية إلى الشيعة بمقابل انخراط الشيعة من باب أوسع في مشروع شهاب لبناء دولة المؤسسات العادلة والمؤمنة بالإنماء المتوازن. 

والواقع أن حيوية عنوان شراكة استعادة تجربة ورؤية الصدر – شهاب؛ التي شجعت حينها على تفاعل عناوين أخرى التحقت بهذه التجربة، كالعلاقة التي قامت بين مؤسسات الصدر الإجتماعية في صور وحركة المطران غريغوار حداد؛ وكلتا هاتان الحركتان تشاركتا في انتاج شعار يحارب العازة بالانتاج ويحارب التسول بإيجاد عمل للمتسول بدل إعطائه حسنة. 

أضف لذلك المعنى الذي تمت الإشارة إليه بوصفه تمجيداً لمعنى الجنوب داخل ازدهار لبنان وداخل فكرة توسيع القاعدة الإجتماعية المواطنية للدولة العادلة؛ حدثت في تلك الفترة وقائع شجعت هذا التوجه تمثلت بوصول إبن الجنوب الصالح من عين إبل – قضاء بنت جبيل البطريرك خريش من الفاتيكان إلى موقع رأس بكركي؛ وذلك في نفس الوقت تقريباً الذي كان وصل فيه الإمام الصدر إلى رأس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان؛ وعندما بدأت الحرب الأهلية أعلن هذان الصالحان الحرب السلمية عليها؛ حيث هدد الصدر بأنه سيستمر بالصيام حتى الموت إن لم تنته الحرب، بمقابل أن البطريرك خريش رفض التشارك أو تغطية المنظومة المسيحية التي غطت دخول الحرب آنذاك.

خلاصة الكلام هنا هو أن العهد الرئاسي الجديد لديه ذاكرة علاقة مع الجنوب ومعناه الوطني والتعايشي؛ ومع معنى الإمام الصدر اللبناني فيه؛ وهو معنى أسس لإنشاء حركة أمل وحزب الله وله صلة بتجارب الحركة الاجتماعية الأرقى عن المسيحيين (حركة المطران غريغوار حداد) مع الحركة الإجتماعية الأرقى عند الشيعة في صور، وهي حركة مؤسسات الصدر التي لا تزال بكنف رعاية عائلة الصدر. وكل هذه المعاني التي في ذهن جوزاف عون من شأنها أن تقود لانتاج ثقة بين البيئة الشيعية والعهد الجديد وذلك بالارتكاز على إحياء الفترة الأكثر ازدهاراً التي كانت قائمة بين إمام الشيعة (الصدر) وقديس السياسة الماروني (شهاب).

الواقع أن كلام الرئيس جوزاف عون أمس لوفد المجلس الشيعي الأعلى الذي كان تأسيسه فكرة مشتركة بين الإمام الصدر واللواء فؤاد شهاب، بنى جسوراً بين مشروع عهده لإعادة إنتاج الدولة وبين مستقبل الشيعة داخل هذه الدولة..

والفكرة هنا هي أن جوزاف عون قال كلاماً رئاسياً جديداً مع مواطني لبنان الشيعة؛ يعيد بالذاكرة إلى بواكر رحلة اكتشاف الدولة غير المكتملة عند شهاب وبواكر رحلة اكتشاف مشروع انخراط الشيعة بالدولة غير المكتمل عند الصدر. 

وبهذا المعنى قدم الرئيس جوزاف عون رؤية تتجاوز لحظة بدء عهده لتبدأ من نقطة بدأ منها الصدر مع شهاب؛ وتنظر لأبعد من الست سنوات القادمة لتصل إلى آفاق فكرة أن من سينتشر في منطقة القرار ١٧٠١ ليس فقط ثكنات الجيش ولا مخافر الدرك بل رؤية شهاب – الصدر عن إيصال الدولة العادلة القادرة إلى آخر نقطة في أطراف البلد..  

من يجيد ربط اليوم بالأمس، سيلحظ أن الكسليك كانت ضاحية مدينة صور الجنوبية حينما كانت الأخيرة عاصمة الإمام الصدر؛ وسيلحظ أن نداء البطريرك خريش إبن عين إبل الجنوبية الداعي لتغليب السلم الأهلي على الاحتراب الأهلي؛ والداعي إلى تغليب التفاهم الوطني على الشقاق الوطني، كان له بالأمس تتمة بعد طول انقطاع في كلام إبن العيشية الجنوبي الرئيس جوزاف عون لوفد شيوخ شيعة كل لبنان.. والحق يقال أنه لا يمكن لأي وطني مخلص إلا أن يتمنى لهذا المشهد أن يؤدي إلى استمرار حوار القلوب الوطنية الذي بدأه شهاب – الصدر؛ ومطران الفقراء غريغوار حداد مع إمام المحرومين موسى الصدر في ستينات القرن الماضي؛ ولا يسعه أيضاً إلا أن يلفت بيئتي وأطراف هذا الحوار الوطني الاجتماعي “الدولتي” إلى ضروة تمسكهما بالتقارب والتعاضد؛ لأن حالهما ومصالحهما يصح عليها تطبيقات بيت الشعر القائل: “.. وليت الذي بيني وبينك عامر… وبيني وبين العالمين خراب”!!.

Exit mobile version