خاص الهديل….
قهرمان مصطفى…
مثّل سقوط نظام الأسد المخلوع في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 تحدياً وجودياً طارئاً لقوات سوريا الديمقراطية؛ خاصةً أنّ هذا السقوط أعقبه انسحاب للقوات الروسية من معظم المناطق السورية، بما في ذلك مناطق سيطرتها في محافظتَيْ حلب والحسكة، والتي انتشرت فيها القوات الروسية بعد انسحاب القوات الأمريكية منها في 2019؛ كما نتج عن سقوطه انسحاب كامل للميليشيات الإيرانية من سوريا، علماً أن البعض منها كانت تتشارك مع قسد وقوات النظام في غرفة عمليات أمنية وعسكرية مشتركة في مناطق تل رفعت والشهباء على خطوط الاشتباك مع الجيش الوطني؛ وهذا ما أفقدت قسد جزءاً كبيراً من قدرتها الدفاعية عن هذه المناطق.
الواقع الجديد وضع قسد وحيداً أمام استحقاقات جديدة لا يمتلك فيها -على غير العادة- دعماً دولياً جدياً، باستثناء دعم أمريكي مشروط وجزئي، كونها شريك لقوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل ما يشهده الوضع السوري من تعقيدات، تواجه قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تحديات كبيرة على الأصعدة العسكرية والسياسية. فبين الضغوطات الإقليمية والدولية، وتغيرات الوضع الداخلي، تجد نفسها أمام خيارات صعبة فيما يتعلق بمستقبلها العسكري والسياسي. من جهة، هناك دعوات لتوحيد سوريا تحت قيادة حكومة دمشق، ومن جهة أخرى، تستمر الضغوط التركية التي تهدد بعملية عسكرية جديدة في مناطقها.
مع استمرار المفاوضات بين الأطراف المختلفة، تقول مصادر إن إدارة العمليات العسكرية السورية رفضت فكرة دمج “قسد” بشكل كامل في الجيش السوري، مع الإشارة إلى إمكانية انضمام عناصر “قسد” كأفراد فقط، ما يطرح تساؤلاً مهماً حول مصير هذه القوات إذا ما تم حل تشكيلاتها العسكرية الحالية؛ فهل ستقبل “قسد” بتلك الحلول الجزئية، أم أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التوترات في مناطقها؟
التساؤلات لا تتوقف عند هذا الحد، إذ تظل العلاقة بين “قسد” ودمشق محاطة بالتعقيدات، خاصةً وأن بعض القيادات في “قسد” مرتبطون بحزب العمال الكردستاني، وهو ما يجعل موقف أنقرة أكثر صرامة تجاه أي شكل من أشكال التعاون بين “قسد” والجيش السوري؛ ومن هذا المنطلق يمكننا طرح السؤال التالي: هل تستطيع دمشق تجاوز هذه النقاط الحساسة والقبول بتواجد هذه القوى تحت مظلة الجيش السوري، أم أن مواقفها ستظل متصلبة في مواجهة هذا التحدي؟
في المقابل، تجد “قسد” نفسها في وضع دقيق مع انحصار خياراتها في الاندماج ضمن مؤسسات الدولة السورية العسكرية. ومع استمرار المفاوضات بين دمشق وأنقرة، تطرح تساؤلات عن مدى قدرة “قسد” على فرض إرادتها في عملية دمج أو انضمام جزئي، ومدى تأثير ذلك على مستقبلها كقوة مستقلة؛ فالحفاظ على كيانها العسكري ككتلة منفصلة، سيُقابل أيضاً بضغوطات من الأطراف الأخرى التي ستجبرها على قبول الحلول المطروحة.
وفي الوقت نفسه، تتابع الأطراف الإقليمية، مثل إقليم كردستان العراق، محاولاتها لوساطة بين “قسد” وتركيا؛ فالوفد الذي أرسله الإقليم وعلى رأسه ممثل رئيس إقليم كردستان العراق، حميد دربندي، قد اجتمع قبل يوم بقائد “قسد” مظلوم عبدي، في الحسكة، وهذا يمكننا القول أنه وساطة يقوم بها الإقليم بين “قسد” وتركيا. وما يدل على ذلك، أن زيارة دربندي جاءت بعد أيام من زيارة رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني أنقرة، واجتماعه مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي يشرف حالياً على إدارة الملف السوري.
المحادثات بين دمشق وأنقرة وواشنطن مستمرة لتوحيد سوريا، من خلال بسط سيطرة حكومة دمشق على كامل التراب السوري؛ ولكن هناك من يتهم “قسد” بالمراوغة لكسب الوقت، إلى حين وضوح موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من سوريا؛ في حين يرى مراقبون أن قسد تريد الحفاظ على المكتسبات، لكنها تعلم أن دمشق وأنقرة لن تقبلان بوجود سلاح خارج الدولة في سوريا، على الرغم من أن المفاوضات الحالية تهدف إلى تجنيب البلاد الدماء،؛ لكن”عدم انصياع “قسد” لرغبة دمشق، سيؤدي حتماً إلى شن عملية عسكرية، لكن بعد تسلم إدارة ترامب مقاليد البيت الأبيض، وعليه فإن تحقق سيناريو الرفض فإن المعركة ستكون بمشاركة كل الأطراف السورية، أي الجيش الوطني الذي يخوض اشتباكات محدودة حالياً ضد “قسد” في جبهات ريف حلب الشرقي، وإدارة العمليات العسكرية.
في النهاية، يبدو أن مستقبل قوات سوريا الديمقراطية والحل الكلي مع حكومة دمشق الجديدة سيكون راهناً بجلوس الرئيس الأمريكي الجديد على كرسي البيت الأبيض في الـ 20 من يناير.