الهديل

خاص الهديل: صناعة التضخيم.. وتحويل “الشيعة” إلى مشكلة للعهد!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

هناك حوار أصبح مستهلكاً ويدعو للضيق، فضلاً عن أنه مكرر وثبت أنه لا يوصل إلى أية نتيجة..

موضوع هذا الحوار أو السجال أو النقاش المتواصل ٢٤ على ٢٤ هو “الشيعة”.. ويتم رمي هذا العنوان على هذا النحو العام والفج والعشوائي، بوجه العهد الجديد؛ ويتم تقصد وضعه بحضن الرئيس الجديد، وذلك ليس فقط بوصفه (أي عنوان الشيعة) بل أيضاً وبالأساس بوصفه أنه فقط قنبلة موقوتة آيلة للانفجار في أية لحظة.

وما حدث ويحدث الآن على هذا الصعيد، هو أن الجميع بات يعتقد أو يريد أن يعتقد بأن الشيعة في أزمة؛ وأن سببها ليس فقط نتائج الحرب عليهم؛ بل يتم تحميل عنوان أن الشيعة في أزمة أسباب وخلفيات كثيرة أخرى، يعود بعضها لما حدث عام ٤٠ هجرياً(!!).

وأخطر ما بهذا الاعتقاد ليس فقط أنه انطباعي وعشوائي وغير علمي وغير دقيق؛ بل أخطر ما فيه هو أنه تم نقله بالعدوى عن طريق تكرار الإعلام له، إلى الشيعة أنفسهم؛ ذلك أن تكرار القول لأي عاقل عشرات المرات في اليوم أنه يعتمر طربوشاً فوق رأسه؛ سيجعل هذا العاقل يبادر لمد يده ليتحسس الطربوش غير الموجود على رأسه!!

.. وهكذا حصل الآن الأمر الأخطر من اعتقاد الجميع بأن الشيعة في أزمة؛ وهو أن الشيعة أنفسهم أصبحوا مقتنعين أنهم في أزمة؛ وأنهم يحتاحون حلاً سريعاً لها!!

أمس خرج النائب علي حسن خليل المساعد السياسي للرئيس نبيه بري الذي يطلق عليه الشيعة اليوم تسمية الأخ الاكبر؛ وخاطب مجموعة نواب كانت تناقش بنوع من الحنو أزمة الشيعة (!!)، وقال لهم خليل: يا جماعة ليس صحيحاً أن الشيعة في أزمة وأنهم طائفة مأزومة.

.. ولكن سامعي تصريحه داخل استديو “صار الوقت” ومن البيوت، لم يصدقونه، واعتبروا – وكذلك فعل أحد نواب الاستديو – أن في كلام علي حسن خليل مكابرة وادعاء ومحاولة للحفاظ على صورة فائض القوة التي هي في الواقع موجودة ليس في مخيلة الشيعة عن أنفسهم، بل لدى الشركاء في الوطن عن الشيعة.

وباختصار، يمكن لفت النظر إلى أمرين إثنين عن أزمة الشيعة التي مع التكرار تحولت إلى أزمة مفهوم وطني مفتعل، علماً أن هذه الأزمة لم يكن أحد في لبنان بحاجة لها، وخاصة العهد الجديد:

الأمر الأول يتعلق بالمفهوم، ومفاده أن طبيعة التكوين البسيكولوجي البنيوي للشيعة وللاجتماع الشيعي، يدفع بها عبر التاريخ لتكون طائفة تتقبل المظلومية وتستطيع الخروج منها من دون استعارة “عكازة” من خارجها. وفيما المظلومية لدى الطوائف الأخرى، هي إحباط ودعوة للانتصار لها من قبل الآخرين؛ إلا أن المظلومية عند الشيعة هي عملية تطهير للذات؛ كما أن الخسارة عند الشيعة هي عامل يقوي أواصر الاجتماع داخل شخصيتهم. وعليه لا داعي لاعتبار الشيعة بوصفهم يتشرنقون داخل أزمة؛ ولا داعي لتصوير العهد الجديد بأن عليه من ضمن مهامه القيام بدور طبيب نفسي للشيعة؛ وبالأساس لا داعي لاعتبار الشيعة أنهم أمام أزمة خيارات.. فالشيعة لديهم خيار واحد بعد طول تجربة هو الدولة والمكوث تحت سقف الطائف كما قال الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم؛ والنصيحة التي يجب تعميمها على الاستوديوهات التلفزيونية التي تستقبل ضيوف الرأي والنواب هي وقف حملات التبرع بالحنان الوطني للشيعة؛ فهؤلاء عبر تاريخهم تعودوا أن يجدوا عكازهم بأنفسهم ليقطعوا مسافة الأزمة واعتاد اجتماعهم أن يحتضن مشكلتهم المادية واعتادت عقيدتهم أن تبلسم جرحهم المعنوي والبشري. وهذا الوضع يجب النظر إليه على أنه صيرورة داخل حياة الشيعة، وليس أزمة داخل دورهم مع بقية الطوائف، في نقل البلد من حاله التعس إلى حال أفضل.

ما تقدم لا يعني أن الشيعة ليسوا في وجع كبير.. صحيح هم في وجع ولكنهم ليسوا في أزمة رؤى وليسوا في أزمة خيار على مستوى الجماعة؛ والجرأة والشجاعة تحتم القول ان الإدارة السياسية للشيعة هي التي تعرضت لإرباك وخلل؛ وهذا الأمر يعني أن هناك أزمة أو إرباك استثنائي عند المستوى السياسي الشيعي، وليس أزمة شيعة؛ أو أزمة شيعية كلية تقارب ما يمكن تسميته بـ”المسألة الشيعية”.

وكل هذا الواقع يصاحبه وجود خلط كبير وعارم في فهم اللحظة الشيعية؛ وأيضاً وجود تسليم من النخب السياسية لحبل الانطباعات السطحي الطويل عن واقع ليس فقط الخاص بالشيعة بل بقضايا وطنية أخرى عديدة..

وللمفارقة أن كل هذه الفوضى في التفكير التي يشهدها البلد بخصوص النظرة الانطباعية لما يحدث وما حدث، يتم رميها في حضن العهد بدعوى أنها مشاكل مستعجلة مطلوب منه حلها. 

يتزامن ذلك ويتصاحب مع وجود ظاهرة تسونامية تسود البلد منذ يوم ٩ الشهر الجاري وهي الميل للمبالغة والتضخيم بالقدرة على الإنجاز. وهذه الظاهرة يمكن اعتبارها اليوم مجرد سلوك مسكون بالحماسة تجاه فكرة التغيير واستعجال حصولها؛ ولكن هذه الظاهرة فيما لو استمرت بوصفها منطقاً معتمداً فإنها ستتحول من سلوك مفهومة خلفياته إلى مشكلة من غير حل؛ علماً أن الجميع سوف يرمي هذه المشكلة (استعجال الحلول) التي صنعوها هم بأنفسهم في حضن العهد تحت عنوان لقد وعدتنا بجنة عدن فأين أنهر العسل واللبن؟؟!

Exit mobile version