الهديل

خاص الهديل: العالم في زمن ترامب: “مقاومة الثور الهائج الضخم بالشراشف الحمراء البالية”!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة 

كون أحداث المنطقة والعالم متلاحقة ومتداخلة، فإن ذلك يحتم مع طلوع شمس كل يوم إعادة النظر بمسارات المنطقة والنظر إليها من “فوق إلى تحت” وأيضاً وبنفس التأني والوقت “أفقياً” وعلى “جمام الأرض”. 

مثلاً السؤال عن أحوال سورية لا يجب فقط أن يقود إلى السؤال عن موقف تركيا وغاياتها وما ستصل إليها مفاوضاتها مع إدارة ترامب بشأن الكرد، ومع السعودية بشأن الإقليم، الخ…؛ بل أيضاً وبنفس الدقة، عن غايات عناصر ٧٣ فصيلاً ومجموعة و”شلة” سلفية جهادية مسلحة أو دعوية أو إخوانية؛ يتوزعون السيطرة على الجغرافيا السورية.

 

والتمعن بهذه الصورة لسورية من فوق ومن تحت وأفقياً تظهر أن واقع سورية هو مزيج مختلط من مشاريع استراتيجية تبحث عن حلول كبرى إقليمية ودولية من جهة، ومن تفاصيل محلية غامضة لديها مفاعيل القنابل الموقوتة القابلة للانفجار داخل هذه الحلول الكبرى من جهة أخرى. 

 

وتقود هذه المقاربة لتوقع أن أحداث المنطقة خلال فترة ولاية ترامب ستمتاز بمقاومات تنتجها التعقيدات المحلية تفجر أو تشاغل باقتدار مشاريع الحلول الكبرى.. ويتوقع أن يحدث ذلك – مثلاً – في سوريا، حيث تدفع عملية التحول السلمي المرجوة فيها إلى الدخول إلى حقل ألغام التفاصيل المتعلقة بمسار تحول الجهاد المحلي مرة أخرى لجهاد عالمي، كما حدث على سبيل المثال للجهاد الأفغاني سابقاً؛ وفي لبنان يخشى على مسار التحول الجديد أن يختنق في مسار الزاروب الإقليمي الذي تضيق بوجهه الأفق الاستراتيجي؛ وفي غير دول إقليمية ثمة خشية أن تقاوم تفاصيلها تحولاتها الكبيرة؛ وحتى ترامب فإن الخشية على مشاريعه الكبيرة هي من تفاصيلها الصغيرة غير القابلة للتحقق، وليس من احتمال صدامها بمشاريع دولية كبيرة توازيها؛ الخ..

 

باختصار تنصح هذه المقاربة “أصحاب القرار الدولي والإقليمي الكبار” بالخشية قدر الإمكان من “المحليين الصغار”.. 

 

وتتبع تحكم احتمال أن تعطل العقد المحلية الصغيرة التوجهات الدولية والإقليمية الكبيرة، تظهر أن البيئة الجيوسياسية للمنطقة بعد انتهاء حرب غزة وبدء حرب ترامب التجارية المرتقبة، ستذهب باتجاه بروز نظرية “مقاومة الثور الهائج الضخم بالشراشف الحمراء البالية”؛ أو مواجهة “المنشار الدولي الحاد بعقد النجار المحلي البسيطة”؛ أي أنه نظراً لانعدام إمكانية مواجهة الآلة الضخمة الغربية الإسرائيلية بآلة ضخمة مماثلة؛ فإنه يتم مشاغلتها بتفاصيل ضخمة العدد صغيرة. وربما تكون هذه القناعة بطريقة المواجهة هي أحد العبر التي توصلت إليها القوى المتضررة من المرحلة الجديدة التي توجد المنطقة فيها الآن، والتي يريد البعض أن يرفع على شرفتها علم هزيمة محور وانتصار محور.. 

 

والواقع أن الخارطة السياسية للشرق الأوسط تظهره أنه منطقة تعيش ثلاثة وقائع أو ثلاث حالات استراتيجية أساسية: ١- دول لديها نسبة معقولة من الثقة بثبات استقرارها؛ ٢- دول لا يزال استقرارها تحت الاختبار؛ ٣- دول يعيش استقرارها حالة انهيار.. 

 

وبغض النظر عن نسب الاستقرار لدول المنطقة فإنها جميعها تتشارك في أنها تنظر بنفس منسوب الترقب لانعكاسات يوم ٢٠ يناير عليها وعلى تماسك تفاصيلها، وذلك كون هذا اليوم يعتبر موعداً سيشهد – بنظر فوكوياما – ليس بدايات مرحلة الوضوح الأميركي في العالم، بل بدايات الخوف العالمي من تنفيذ ترامب فعلياً لتعهداته ولموجبات وضوحه!!.

 

وبمفهوم السياسة الدولية فإن هذا النوع من الانتظار الذي يشهده العالم حالياً، هو أمر غير مسبوق؛ حيث بالعادة ترخي برامج رؤساء أميركا الجدد نوعاً من انقشاع الرؤية أمام العالم، سواء بهذا الاتجاه أو ذاك؛ ولكن مع ترامب فإنه حتى وضوحه هو لغز غامض؛ ومع ترامب تكمن الخشية ليس من احتمال تجاهله لوعوده بل من احتمال قيامه بتنفيذها.

 

بهذا المعنى إن الحكمة الأساسية التي يجب على الحكام والعباد في المنطقة استخلاصها هي أن يوم ٢٠ يناير هو موعد انطلاق السباق مع رياح ترامب الهائجة والتي لا يمكن توقع نتائجها والتي قد يكون أقرب مثل لها هو حريق لوس أنجلوس المؤسف الذي أذهلت العالم طبيعة صيرورته.

 

والأسئلة هنا عن مرحلة ما بعد ٢٠ يناير كثيرة ولا تحصى وتصل لحد أنه ليس فقط كيف سيكون على كل دولة في العالم طرحها على نفسها بل على كل حزب وحتى كل جمعية في العالم أن تطرح سؤال لغز ترامب على ذاتها؛ والسؤال الأبرز هنا هو كيف سيتعامل ترامب مع شخصيات شغلت المسرح العالمي وقادت أحداثه الساخنة خلال الفترة الأخيرة، وأبرزها بوتين وزيلنسكي في أوروبا البيضاء، ونتنياهو وبن غفير وسموتريتش في الشرق الأوسط، وأحمد الشرع في المشرق العربي والفضاء الإسلامي الأممي الحركي، وفيدان حقان وإلى جانبه أردوغان في الإقليم الآسيوي؛ وأبي أحمد في أفريقيا. 

 

والواقع أن كل واحد من هذه الشخصيات هو قصة داخل كتاب الشرق الأوسط وأوروبا والتحولات العالمية المنتظرة أو المتوقعة: فأبي أحمد هو قصة حلم تحول إثيوبيا إلى صين صغيرة في أفريقيا؛ وبن غفير وسموتيرتس هما قصة حلم الصهيونية بتحويل إسرائيل إلى دولة الأصولية اليهودية الجديدة؛ وحلم نتنياهو هو بلوغ مرتبة أنه نابليون الشرق الأوسط؛ وحلم زيلنسكي هو هزيمة القيصر؛ وحلم بوتين هو إخضاع أوروبا؛ وحلم بزشيكيان هو موعد مع بيريسترويكا ميخائيل غورباتشوف في حدائق طهران؛ أما حلم أحمد الشرع فهو لا يزال رغم كل تطميناته بمثابة ورقة مستورة، ورغم قول عارفيه بأن الرجل منذ صغره لديه حلم ملحاح وهو أن ينال لقب “سيادة رئيس” جمهورية أو دولة أو إمارة سورية(؟!!).

Exit mobile version