خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
وصف ديفيد بن غوريون مرة الولايات المتحدة الأميركية بأنها المسيح بالنسبة لإسرائيل؛ وإذا كان هرتسل هو أبو النظرية الصهيونية؛ وإذا كان جابوتنسكي هو صاحب الطريقة الإصلاحية داخل الحركة الصهيونية، فإن بن غوريون هو ثالثهم لجهة مدى فصله على تجسيد الصهيونية من فكرة إلى كيان قائم فعلي. وعليه حينما يعتبر بن غوريون أميركا بأن لها منزلة “مخلص إسرائيل” (أي معنى المسيح) ولها مرتبة أنها نهاية مطاف إسرائيل الآمن، فهو بذلك يحسم النقاش الذي يبرز أحياناً بخصوص من يقود سياسة الآخر في الشرق الأوسط: إسرائيل أم الولايات المتحدة الأميركية؟؟.. الايباك أم البيت الأبيض؟؟.
خلال حرب غزة الدامية حاول نتنياهو أن يرسم لنفسه داخل إسرائيل أدواراً مستحيلة؛ منها أنه “ملك إسرائيل” الجديد؛ ومنها أيضاً أن “بيبي” (وهو إسم الغنج أو الدلع لنتنياهو) يستطيع أن يقاوم الضغوط الأميركية على إسرائيل كما فعلت غولدا مائير في حرب أكتوبر ١٩٧٣ مع نيكسون، ولكن هذا الإيحاء كان مجرد مناورة على الحقائق، ذلك أن تراخي بايدن مع نتنياهو لم يكن يعبر عن ضعف واشنطن أمام تل أبيب؛ بل كان يعبر عن ضعف أيديولوجي يستحوذ على شخصية بايدن تجاه إسرائيل والصهيونية.
من جهتها إسرائيل تدرك تماماً أن أميركا هي المسيح لإسرائيل بمعنى أنها المخلص؛ وهذا الأمر يدركه بذات القدر اليمين الصهيوني الجابوتينسكي أو المسيحاني كما الليبرالي الصهيوني أو اليساري أو الإشتراكي؛ ويشاع داخل إسرائيل أن رؤوساء الوزراء الإسرائيليين حينما يتم تكليفهم بتشكيل الحكومة فإن أول نصيحة يقولها لهم رئيس الدولة الإسرائيلية عندما يكلفهم، هي: إذا نجحت بمهمة التكليف وأصبحت رئيس حكومة إسرائيل فإن لديك مهمة وطنية مقدسة عليك القيام بها وهي أن تنجز علاقة جيدة جداً مع رئيس الولايات الأميركية المتحدة.
وبالتأكيد سمع نتنياهو من رئيس إسرائيل هذه النصيحة في المرات الخمس التي شكل فيها حكوماته؛ وعليه فهو أكثر رئيس حكومة إسرائيلي جرى تكرار هذه النصيحة عن مهمته الوطنية المقدسة، وهي أن يتجنب رئيس حكومة إسرائيل إغضاب الرئيس الأميركي.
والواقع أن مناسبة إطلاق كل هذا الكلام الآن عن حقيقة علاقة تل أبيب بواشنطن، يعود إلى ثلاثة أمور يجدر التوقف عندها في هذه اللحظة:
الأمر الأول أن قرار الحرب في إسرائيل هو قرار أميركي حتى لو أن بايدن ظل لنحو عامين يكذب ويقول أن نتنياهو يستمر بالحرب في غزة رغم إرادته.. والأمر الثاني هو أن قرار وقف الحرب وليس فقط بدء الحرب هو قرار أميركي بدليل أن الرئيس ترامب الذي لا يزال منتخباً عندما أراد أن يتوقف نتنياهو عن الاستمرار في حرب غزة فإن الأخير سارع لتلبية إرادته حتى قبل أن يصل ترامب إلى مكتبه في البيت الأبيض؛ والأمر الثالث يتصل بأن على عهد لبنان الرئاسي الجديد ومعه حكومة لبنان العتيدة؛ أن يدرك بثقة أن قرار وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان وقرار انسحابها وفق توقيت ٢٧ الشهر الجاري إلى ما وراء الحدود هو قرار أميركي تنفذه إسرائيل وليس صحيحاً أنه قرار إسرائيلي يغطيه الرئيس الأميركي.
أمس قال ترامب الرئيس الأميركي المنتخب أنه قال لنتنياهو أن حرب غزة يحب أن تنتهي.. واضح أن ترامب تقصد إظهار هذا الموقف أو هذه المحادثة للعلن؛ وهدفه من ذلك ليس إذلال نتنياهو كما تصور الكثيرون؛ بل هدفه من ذلك القول للعرب وغير العرب أن تحقيق أمنهم المتعلق بخشيتهم من إسرائيل هو أمر كان صعباً على بايدن ولكنه سهل جداً على ترامب؛ ولكن يجب على الجميع أن يعلم – وهنا بيت القصيد عند ترامب – أن الحماية الأميركية لم تعد مجانية؛ ومنذ اليوم لن تقدم من دون ثمن ومن دون مقابل!!.