خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يقف العالم عند مفترق يوم ٢٠ يناير الذي يحجب الرؤية عن طبيعة الأفق المقبل. وفيما كان العالم ليس لديه طوال العام الماضي غير السؤال عن اليوم التالي في غزة(؟؟)؛ فإن السؤال الأهم اليوم هو عن اليوم التالي في العالم بعد عشرين يناير ٢٠٢٥؟؟.
العالم يقف على رأس جبل من الأسئلة التي تطرحها عودة ترامب إلى البيت الأبيض..
من بين هذه الأسئلة سؤال أساسي عن ترامب ذاته؛ بمعنى التكهن ليس بما يريد أن يفعله ترامب؛ بل لماذا سيفعل ما يعد به أو بتعبير أدق ما يهدد به؟؟؛ هل لأن شخصيته تنطوي على جنون كما وصف نفسه هو ذاته غير مرة؛ أم لأنه يمثل بنية تفكير مرسومة بعناية؛ ولكن يتم تقصد عرضها على أنها تحمل ملامح سريالية وذات سلوك غير متوقع، الخ..
يريد العالم منذ إعلان نتائج الانتخابات الأميركية أن يحصل على إجابة شافية عن سؤال يسبق السؤال الخاص بتوقع أعماله بل هو يمهد لفهم توقع أعماله؛ ومفاده من هو ترامب ذاته وماذا يمثل داخل الولايات المتحدة الأميركية وداخل مصالحها وداخل صيرورة الاعتمال الداخلي الأميركي؟؟.
لا توجد إجابة واحدة عن هذا السؤال، بل هناك حبل طويل من الأجوبة منها أو أهمها أو أبرزها – ربما – إجابة لفوكوياما الذي يقول ان وصول ترامب الثاني (٢٠٢٥ – ٢٠٢٩) غير ترامب الأول (٢٠١٦ – ٢٠٢٠)، لأن الاميركيين في انتخابات ٢٠٢٤ كانوا يعرفون لمن ينتخبون؛ وكانوا يعرفون من هو ترامب الذي يعطونه أصواتهم؛ أما في الانتخابات الأسبق (٢٠١٦) فإن الأميركيين صوتوا لترامب المجهول وكان كل هدفهم ليس إيصاله لشخصه بل حتى يتخلصوا من مسار تواجد الحزب الديموقراطي في البيت الأبيض.
.. إذن فوكوياما بشكل غير مباشر يقول ان الأميركيين انتخبوا ترامب هذه المرة لأنهم يعرفونه ولأنهم يريدون خياراته؛ وهم تقصدوا أن يفوز بفارق واضح وأن ينال كل السلطة في الولايات المتحدة الأميركية من غرفتي الكونغرس إلى البيت الأبيض..
أما السبب برأي فوكوياما فيعود إلى أن الأميركيين صوتوا ضد الليبرالية وضد ما يعتبرونه الطريقة الخاطئة التي تطور بها المجتمع الحر منذ ثمانينات القرن الماضي. وأصل المشكلة هنا حسب فوكوياما أن الليبرالية الكلاسيكية المبنية على احترام الكرامة المتساوية للأفراد من خلال حكم القانون الذي يحمي حقوقهم؛ وقدرة الدولة على التدخل في هذه الحقوق، تعرضت لتشوهين إثنين كبيرين: التشوه الأول كان صعود “الليبرالية الجديدة” التي تقدس الأسواق وتقلل من قدرة الحكومات على حماية المتضررين من التغيير الاقتصادي؛ والتشوه الثاني تمثل بصعود سياسات الهوية أو ما يطلق عليه “الليبرالية المستيقظة” واستخدام سلطة الدولة بشكل متزايد ليس في خدمة العدالة بل لتعزيز نتائج اجتماعية محددة للمجموعات خاصة.
بنظر فوكوياما هذه التشوهات التي طالت الليبرالية الكلاسيكية هي المسؤولة عن حصول تحول كبير في الأساس الاجتماعي للسلطة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية لأن الطبقة العاملة شعرت أن الأحزاب السياسية اليسارية لم تعد تدافع عن مصالحها ما جعلها تتجه كي تصوت لأحزاب اليمين؛ وهذا ما يفسر لماذا انتصر الجمهوريون أو الترامبيون بأصوات الناخبين من الطبقة العاملة البيضاء.
ولكن المشكلة بنظر فوكوياما تكمن في أن ترامب لا يريد فقط القضاء على الليبرالية الجديدة أو الليبرالية المستيقظة بل على الليبرالية الكلاسيكية نفسها في عدد من القضايا؛ بالتالي رئاسته الجديدة لن تكون شبيهة بولايته الأولى؛ والسؤال الحقيقي الآن ليس عن خبث نواياه بل عن قدرته على تنفيذ ما يهدد به بالفعل.
إذن فوكوياما يجيب عن لماذا تغير المجتمع الأميركي ما سمح بتأصيل ظاهرة ترامب السياسية ولكنه لا يجيب من هو ترامب، ذلك أنه بحسب فوكوياما ليس صدى لاعتراض الأميركيين على الفهم الخاطيء الذي تطور به المجتمع الحر في العقود الأخيرة بل هو استفاد من هذا الاعتراض البنيوي، من دون أن يؤمن بأن عليه تصحيحه.
وبالمحصلة فإن فوكاياما يضع العالم أمام نوايا يعلنها ترامب، ما يجعل المشكلة محصورة في سؤال محدد؛ وهو ليس عن ما هي هذه النوايا؛ وليس عن لماذا نشأت عنده؛ بل هل يستطيع ترامب فعلياً تنفيذها؟؟.
هناك مُنظرون آخرون يخالفون فوكوياما ويقولون ليس صحيحاً أن وصول ترامب يعبر عن تغير في أساس النظام السياسي الأميركي وعن انحياز طبقات اجتماعية من ولاء لولاء نتيجة ما كال الليبرالية الكلاسيكية من تشوهات. ويقول هؤلاء ومن بينهم عزمي بشارة أن ما حصل هو استنفار في قواعد الحزب الجمهوري قابله كسل كبير اعترى قواعد الحزب الديموقراطي. ويقول أصحاب هذه النظرية أن قاعدة ترامب الاجتماعية لم تتجاوز حدودها لكنها توثبت بمقابل أن قاعدة الديموقراطيين تكاسلت وخبت خلال الانتخابات الأخيرة.
.. المهم هنا هو أنه ليس هناك نظرية مثتبة حول من هو ترامب؛ ومن الذي صاغ أفكاره بل العالم موجود اليوم أمام حالة فردية؛ أمام شخص يملك كل السلطة في الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر أكبر وأقوى دولة في العالم.