خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يستطيع رئيس الجمهورية أن يقول بسهولة لنفسه وللآخرين أن هذه “الحكومة السلامية” لن تكون مثل الحكومة الميقاتية التي سبقتها، وذلك من عدة زوايا أبرزها أنها حكومة منقادة من شخصية بمواصفات عديدة مقبولة حتى من متناقضي النظرة للسياسة: فنواف سلام من “النخب المعولمة”؛ ولبنان بنظر الكثيرين من أبنائه هو بلد معولم ثقافياً واقتصادياً؛ ونواف سلام أيضاً هو سليل عائلة فيها الكثير من معنى التقليد وذلك لجهة والده وعمه، الخ.. ولبنان بلد بنظر الكثير من أبنائه فيه معنى كبير للتقاليد وللبيتوتات السياسية؛ ونواف سلام هو إبن العاصمة (بيروت ست الدنيا) وهو إبن عراقة الحكاية التاريخية بين العائلات السنية السياسية العريقة (آل الصلح وآل سلام والكرامي والعويني، الخ…) وبين موقع الرئاسة السنية الثالثة في لبنان..
.. وعليه فإن رئيس الجمهورية يمكنه القول لنفسه وللآخرين أن نواف سلام هو “سيف لغدرات الزمن كلها”، وليس لمعركة واحدة؛ وليس مكتوباً لعنوان واحد فقط؛ ففي شخصية نواف سلام شيء كبير من الحداثة والاختصاص ومعنى الخروج عن التقليد؛ وهذه صفات تفحم من يريد المزايدة بأن المطلوب هو الجديد؛ وبنفس الوقت في شخصية نواف سلام شيء كبير أيضاً من التقليد والمتبع وعدم الخروج عن السائد؛ وهذا أمر يفحم من يزايد برفض تجاوز مكونات البلد التاريخية.
.. أيضاً يستطيع رئيس الجمهورية أن يقول لنفسه وللآخرين أن حكومة دولة الرئيس نواف سلام إبن العائلة التقليدية وصاحب التجربة الحديثة المعولمة، هي حكومتكم، وبمعنى أدق “حكومة اختباركم”؛ أي حكومة اختبار ما تستطيع الأحزاب تقديمه للفرصة المتمثلة بوصول جوزاف عون مع كل الدعم الدولي والإقليمي إلى قصر بعبدا؛ أي حكومة اختبار قدرة الأحزاب على تغيير عقليتها السياسية المسؤولة عن تردي الحال؛ وهذا يعني أن هذه الحكومة ليس فيها كل روح حكومة العهد التي تريد تجسيد ما يستطيع العهد أن يقدمه [هو] على طريقته ووفق قناعاته وإرادته السياسية لكل البلد وللإصلاح المطلوب شعبياً.. فحكومة العهد ستبدأ بعد أول انتخابات نيابية عامة تجري في ظل حكم عهد الرئيس جوازف عون..
.. إذن يستطيع رئيس الجمهورية أن يقول لنفسه وللآخرين أن عهده مرحلتان؛ “حكومة سلامية” تقليدية وحديثة، فلوكلورية ومعولمة، هدفها امتحان قدرة الأحزاب – رغم أنها مجربة – على إثبات أن المثل الشائع “من جرب مجرب بكون عقلو مخرب..” ليس صحيحاً دائماً، وأنه قد يثبت لمرة واحدة أنه خاطيء.
.. وبخلال الحكومة السلامية سيكون مطلوباً من العهد إعطاء فرصة للأحزاب كي تساعد في التأسيس للإصلاح.. وبالمقابل سيكون مطلوباً من الأحزاب إثبات أنها قادرة على ملاقاة العهد في توجهاته ولو بالحد الأدنى.. فالعهد لا يطلب من الأحزاب أن يتحولوا لقوة تغيير وإصلاح تسونامية؛ فالله لا يكلف نفساً الا وسعها. فقط مطلوب أن تنجح الأحزاب في إثبات أنها غيرت ولو ٣٠ بالمئة من طريقتها في العمل السياسي؛ ولو ٣٠ بالمئة لصالح الانتقال من الخاص لمصلحة العام.
وعلى افتراض أن تجربة الأحزاب نجحت في تسهيل تشكيل الحكومة السلامية التي فيها إصلاح وفيها بعض المراوحة بمراعاة اعتبارات الأمس؛ فهنا سيكون على العهد أن يطلب – وبإصرار – من هذه الحكومة المعولمة والحديثة شيئاً وحيداً لنفسه وللناس وللبلد وهو جعلها تصوغ قانون انتخابي عصري جديد.
لماذا؟..
لعدة أسباب:
أولاً- لأن لا إصلاح إلا بانتاج قانون انتخابي عصري شفاف يحقق عدالة التمثيل وبنفس القدر شفافية التمثيل. وببساطة القانون الحالي لا يحقق حتى مجرد التعبير الحر للناخب عن صوته الذي يدلي به تحت ضغوط مباشرة وغير مباشرة.
ثانياً- إن انتاج قانون انتخابي صحيح يؤدي حتماً لولادة نخب سياسية إصلاحية سواء من بيئات جديدة أو حتى من ضمن الأحزاب القائمة.
ثالثاً- قانون انتخاب عصري وشفاف يعكس إرادة التغيير عن الناس هو منصة العهد الأولى والأساسية للانطلاق نحو بدء حكمه..
ثم ماذا بعد؟؟..
يستطيع رئيس الجمهورية أن يقول لنفسه وللآخرين أن كتل البرلمان الحالي هي من ستشكل بالتعاون مع العهد ومع دولة الرئيس التقليدي والحديث “حكومة اختبارهم” (اختبار الأحزاب) وليس حكومة العهد؛ حكومة بدء التأسيس لحكم العهد الذي سيبدأ مع برلمان جديد منتخب على أساس قانون انتخابي جديد شفاف وتنبثق عن إرادته حكومة جديدة تشبه العهد وتشبه القاعدة الاجتماعية الوطنية المؤيدة للعهد.
ويستطيع رئيس الجمهورية أن يقول لنفسه وللآخرين في هذه المرحلة من مشاركته في تشكيل “حكومة اختبارهم” (أي اختبار ما إذا تبقى للأحزاب قدرة على النجاح بإعادة البناء) تمهيداً لأن تتم بعد الانتخابات النيابية القادمة تشكيل حكومته، أي حكومة العهد وحكومة إرادة التغيير لدى الشعب.
يستطيع رئيس الجمهورية أن يقول لنفسه وللآخرين أن “حكومة اختبارهم”: هي مساحة وقت مهم له؛ فيما هي مساحة شراء وقت ثمين لهم (الأحزاب)؛ وبالنهاية يجب على الأحزاب بغض النظر عن توجهاتها أن تعلم أنها أمام معادلة وحيدة، قوامها التالي: “نربح نحن والعهد معاً أم نخسر وحدنا”.. بمعنى أن فشل نواف سلام سيعني أن الأحزاب فشلت في التأقلم مع المرحلة الجديدة لأنها بنت الماضي البائد؛ أما إذا نجح نواف سلام فسيتم النظر لهذا الأمر على أنه نجاح لاختبار قدرة الأحزاب على التعايش والتفاعل مع المرحلة اللبنانية الجديدة المطلوبة داخلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً؛ وسيعني نجاح سلام بطبيعة الحال نجاحاً أيضاً للعهد الجديد المتحصن خارجياً ومن إرادة شعبية وطنية عابرة للطوائف.