الهديل

موقف لحظة: “الثلاثية” في البيان الوزاري بين السياسة والقانون

موقف لحظة: “الثلاثية” في البيان الوزاري بين السياسة والقانون

 

المصدر: جريدة اللواء
مع انتهاء الانتخابات الرئاسية في لبنان وانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية في التاسع من الجاري، وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة، بدأت النقاشات السياسية تتناول مضمون البيان الوزاري المرتقب، حتى قبل الانتهاء من تأليف الحكومة، والذي يبدو أنه لن يكون سهلاً. ومما لا شك فيه أن مضمون هذا البيان بات موضوعًا أساسيًا في ضوء التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة، خاصة بعد التوصّل الى اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، حيث لم يعد مقبولًا لدى العديد من الفرقاء أن يتضمن البيان الثلاثية التقليدية «شعب، جيش، مقاومة» كما كان الحال في الحكومات السابقة.
يُمكن تصنيف البيان الوزاري للحكومة أنه عمل إداري ذات خلفية سياسية يتضمّن خطة عمل الحكومة التي تتقدّم على أساسها من المجلس النيابي لنيل ثقته. هذه الخطة الحكومية يُفترض في مضمونها ووسائلها وغاياتها أن تلتزم دوماً بالدستور والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء في لبنان، فلا يُمكن للبيان الوزاري أن يتضمن ما يخالفها. وعلى هذا الأساس، فإن البيانات الوزارية السابقة التي تضمنت بصيغة أو بأخرى كلمة «المقاومة» لم تكن تمنحها غطاءً قانونيًا بقدر ما كانت توفّر غطاءً سياسيًا أو أقلّه «غضّ نظر» سياسي يخدم أهدافًا معينة لفريق معيّن هو بطبيعة الحال حزب الله.
هذه الصيغة المعمول بها كانت تسمح لحزب الله، الذي كان الى جانب احتوائه على جناح عسكري، يضمّ أيضاً جناحاً سياسياً له تمثيل برلماني ووزراء محازبين أو مناصرين له في الحكومة، التأثير والمشاركة من خلال هؤلاء الوزراء في قرارات الحكومة المتعلقة بتسليح الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية. وفي الوقت نفسه، كان البيان الوزاري يُستخدم كذريعة لشرعنة السلاح غير الخاضع لسلطة الدولة، مما وضع سلاح المقاومة في موقع «فوق الشرعية»، بحيث لم تكن القوانين اللبنانية تُطبّق عليه في حين كانت تلك القوانين تطبّق عند شراء السلاح والعتاد للجيش اللبناني أو قبول الهبات العسكرية من الدول الشقيقة والصديقة.

وبالتالي ونتيجة البيانات الوزارية السابقة لم يكُن سلاح حزب الله بحاجة لموافقة الدولة عليه حتى يكتسب شرعيّته اذ كان ورود كلمة «مقاومة» كافياً لامتلاك الحزب آلاف الصواريخ الباليستية والاسلحة الثقيلة وادخالها الى لبنان بطرقً غير شرعية في حين أن قانون الدفاع الوطني لا يُتيح للجيش اللبناني شراء ولو «منظار ليلي» أو «خوذة واقية» دون المرور بالآليات القانونية، فكان سلاح الدولة بالتالي بحاجة الى موافقة «المقاومة» عليه في الحكومة حتى يكتسب هذه الشرعية، ونجح الحزب طيلة العقود الاربعة الماضية أن يفرض تطبيق القوانين على الدولة دون أن تنجح الدولة أو حتى تحاول أن تطبّق ذات القوانين عليه على قاعدة «من ساواك بنفسه ما ظلمك»!
اليوم ومع انطلاقة العهد الجديد الذي تميّز بالصدى الواعد الذي اكتسبه خطاب القسم للرئيس جوزاف عون، تبدو الأمور مختلفة. فقد أكد الرئيس بوضوح أن حصرية السلاح يجب أن تكون بيد الدولة اللبنانية وحدها. وهذا التوجه يعكس إرادة لإعادة الاعتبار لدور الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية كجهة وحيدة مسؤولة عن حماية الوطن والسيادة.

وعليه المطلوب من الحكومة وفور تشكيلها مواكبة انطلاقة العهد وخطاب القسم عبر بيانٍ وزاري يؤكّد التزامها بالقانون والدستور، ويعزّز سلطة الدولة على كامل أراضيها دون استثناءات أو أعذار تُمنح لأي جهة، لا داخل المخيّمات ولا خارجها، ودون خيم فوق رأس أحد، بما يضمن بناء دولة قوية قادرة على استعادة ثقة المواطنين والمجتمع الدولي، قائمة على مبدأ المساواة بين اللبنانيين وتكافؤ الفرص لهم.
في الختام، يمكن القول أن البيان الوزاري لحكومة العهد الاولى سيمثّل اختبارًا أولاً لإرادتها ومناعتها منذ لحظة تشكيلها وجديّتها في كسر النمط السياسي التقليدي الذي طبع بيانات الحكومات السابقة، فالاستمرار في النهج السابق دون تغيير جذري يعزّز بسط الدولة لسلطتها على أراضيها كافة، سيبقي لبنان عالقًا بين حلم الدولة وكابوس الدويلة. فالفرصة اليوم سانحة لاعادة بناء الدولة على أسسٍ متينة، والاستفادة من الزخم العربي والدولي الذي يُحيط بالعهد الجديد، أمّا الفشل في استغلال هذه الفرصة فسيُعيد إنتاج الإحباط نفسه الذي عاناه اللبنانيون طيلة عقودٍ وعهودٍ سابقة.
«راجح»

 

Exit mobile version