خاص الهديل….
ناصر شرارة…
تعمّ إسرائيل نوع من الفوضى؛ تبدو الأشياء هناك وكأنها تخرج عن السيطرة: مثلاً المشهد الذي كان يلحظه المراقب بسهولة خلال الحرب، والخاص بأن الرئيس الأميركي السابق بايدن يهرول وراء ما يريده نتنياهو، وليس العكس؛ اختفى الآن، وحل مكانه مشهد إرباك إسرائيل ونتنياهو تحت ضغط طلبات ترامب المتكررة.
خلال التفاوض على إبرام هدنة غزة، طلب ترامب من نتنياهو أن تبدأ مباحثات بين حماس وإسرائيل منذ اليوم الـ١٦ من المرحلة الأولى لتحديد خطوات المرحلة الثانية.. وافق نتنياهو مرغماً ولكنه همس بأذن سموتريتش بأنه سيتدبر الأمر مع انقضاء فترة الـ٤٢ يوماً ليعود إلى الحرب تحت حجة أنه لا يوجد طريقة للاتفاق مع حماس لا على المرحلة الثانية ولا على المرحلة الثالثة؛ ولكن ترامب فاجأ نتنياهو مرة أخرى في الساعات الماضية عندما أرسل مبعوثه إلى إسرائيل وهو يحمل أمراً من البيت الأبيض مفاده أن على نتنياهو أن يبدأ التفاوض مع حماس على خطوات المرحلة الثانية منذ اليوم وعدم انتظار موعد بعد ١٦ يوماً.
في ائتلاف نتنياهو لم يعد يعرفون كيف ينظمون إيقاعات سياسة إسرائيل مع دفق التوتر الذي يلحقه بها مطالب ترامب المتكررة والتي تقول اليوم شيئاً ثم تطلب في اليوم التالي شيئاً آخر..
.. وعليه يمكن القول أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية في زمن دخول ترامب إلى البيت الأبيض، أصبحت تعني عملياً الإنصات الإسرائيلي لما سيقوله ترامب، وأصبحت تعني التوتر الإسرائيلي مما قد يقوله ترامب.. بهذا المعنى فإن الملف الأميركي في إسرائيل يواجه فوضى في تعامل حكومة نتنياهو معه..!!
هناك موضوع آخر أيضاً تسوده الفوضى، وتسيطر عليه عدم قدرة حكومة نتنياهو على الظهور بشكل متواز بخصوصه. والمقصود هنا موضوع اليوم التالي في غزة وهو أهم موضوع كان موجوداً على طاولة القرار العالمي طوال فترة الحرب. والحاصل اليوم هو أنه بعد دقائق من وقف النار في غزة ظهر عناصر حماس العسكريين بكل ثيابهم وسلاحهم وسياراتهم العسكرية؛ وهم يجوبون شوارع غزة.. وتعليقاً على هذا المشهد ثار في إسرائيل على نحو عارم، سؤال حول كيف يحدث هذا؟؟.. أيعقل أنه بعد ١٥ شهر من الحرب على حماس تعود حماس بعد دقائق من وقف الحرب إلى جاهزية توحي وكأنها لا زالت في نفس اللحظة التي سبقت الحرب؟؟.. ماذا يعني هذا: هل إسرائيل كانت تقاتل طواحين الهواء؟.
وتزامنت صدمة إسرائيل من مشهد حماس في غزة، مع بدء مسلسل الاستقالات من الجيش الإسرائيلي؛ حيث قدم رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي استقالته من موقعه الهام في الجيش الإسرائيلي ليتبعه قائد القوات الجنوبية؛ وقبله استقال رئيس الشاباك، الخ.. والواقع أن تسونامي الاستقالات في الجيش سيخلق فوضى مهنية بداخله نظراً لسببين إثنين: الأول كون نتنياهو لن يعتمد المهنية في تعيين قادة خلفاً للذين يستقيلون من الجيش؛ والثاني نظراً لأن المستوى السياسي الإسرائيلي دخل منذ الآن حالة قلق نظراً لمعرفته بأن الاستقالات في الجيش ستدفع إلى تبكير فتح موضوع إنشاء لجنة تحقيق مستقلة بشأن تقصير السياسيين بأحدث يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
والواقع أن كل ما تقدم يتفاعل داخل أفق بدء التنافس الانتخابي بين قوى سياسية إسرائيلية تعاني جميعها من حالة قلق على مستوى مستقبلها السياسي؛ وهذا الأمر يزيد أيضاً من دفع الكيان لفوضى متعاظمة تستمر لغاية موعد إعادة انتاج السلطة في إسرائيل بعد انتخابات عامة فد تكون مبكرة.