خاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
نجح يوم أمس مشهد عودة أهالي قرى في الجنوب اللبناني إلى أرضهم رغماً عن قرار إسرائيل بمنعهم من العودة. وحصل ذلك بمواكبة من الجيس اللبناني الذي دفع مع الأهالي العائدين شهداء من صفوفهم.
بعض وسائل الإعلام الأجنبية أطلقت على أحداث يوم أمس “يوم العودة”، ومجّدت عمليات تصدي الأهالي اللبنانيين الجنوبيين العزل لقوات الاحتلال المدججة بالسلاح التي حاولت منع عودتهم. لقد ركز الإعلام أيضاً على أن الشعب من أبناء قرى الحافة الحدودية عادوا بمواكبة الجيش اللبناني ومع الجيش اللبناني وجنباً إلى جنب. وبخلاصة للملاحظات حول مشهد أمس برزت معنى ثلاثة معان هامة يجدر التوقف عندها:
أولها أن الجيش والشعب عادا معاً إلى تلك المنطقة التي قررت إسرائيل إبقائها تحت احتلالها؛ ولا شك أن هذا يشكل معطى جديداً في المشهد الجنوبي يجب البناء عليه بالسياسة وبالحرب وبالخطاب الدبلوماسي؛ ذلك أن مشهد أمس أظهر أن منطقة الـ١٧٠١ حسب التسمية الدولية لها أو منطقة الحافة الحدودية حسب تسمية اللبنانيين لها، ليست ولن تكون خالية من عوامل القوة الوطنية اللبنانية؛ وستبقى فيها عوامل قوة، حتى لو انسحب حزب الله عسكرياً منها؛ فروح القوة الوطنية التي يمكن تسميتها مقاومة أو روح دفاعية، (الخ..) ستبقى موجودة مهما كان مضمون القرار ١٧٠١ ومهما كانت شروطه؛ لأنه كما ظهر سابقاً حينما عاد أهالي الجنوب لقراهم لحظة توقف حرب ٢٠٠٦ وكما ظهر أمس؛ فإن قوة لبنانية هذه المنطقة مؤمنة بوجود شعبها فيها وبوجود جيش لبنان فيها وبوجود إرادة وطنية للدفاع عن سيادتها مهما كان إسم القرار الدولي الخاص به ومهما كان مضمونه.
ثاني معنى برز داخل مشهد أمس هو أن لبنان يستطيع المقاومة في ظل كل الظروف وبغض النظر عن أرقام القرارات؛ وأن الأحزاب والطوائف اللبنانية تستطيع الخروج من سجال النكد إلى اتفاق استراتيجي من وحي مشهد العودة أمس قوامه أن المقاومة ليست إطاراً ولا عنواناً بل ارادة وطنية جامعة ترفض الاحتلال وأن الشعب يقوم بها حينما يكون ذلك واجباً وطنياً وأن الجيش مع الشعب وإلى جانبه وأمامه في هذه المهمة.
بهذا المعنى المقاومة باقية بوجه الاحتلال طالما أنه ظل محتلاً للأرض؛ وأن تطبيق لبنان للقرار ١٧٠١ لا يعني تخليه عن المقاومة بل كل ما قد يحصل هو الانتقال من مفهوم مقاوم إلى مفهوم آخر كما حصل أمس بالمقارنة مع ما كان حصل خلال فترة العام الماضي.
المعى الثالث المستخلص من مشهد أمس يحتم على لبنان أن لا ينام على وعود الخارج وحتى لو كانت من ترامب، بخصوص ضمان حصول الانسحاب الإسرائيلي من لبنان؛ لأن كل المؤشرات حول العالم وليس فقط في منطقتنا؛ تقول ان هناك توجه متوحش دولي وإسرائيلي للاستثمار بنتائج حرب غزة سياسياً بالكوارث الديموغرافية والجيوسياسية التي خلفتها هذه الحرب التي اتسمت بوحشية غير مسبوقة. ويبدو واضحاً أن الحصانة الوحيدة لدى الفلسطينيين كي يمنعوا خطة تدفيعهم ثمن ديموغرافي وجغرافي كنتيجة لحرب غزة؛ هو إنجاز وحدتهم الوطنية ولو فوق خيم ودمار الأرض الموحدة (الضفة وغزة والقدس)؛ والحصانة الوحيدة أمام لبنان لتجنب تدفيعه الثمن الديموغرافي والجغرافي كنتيجة لحرب إسناد غزة أو حرب “رمي السهام” (حسب التسمية الإسرائيلية) هي إنجاز الوحدة الوطنية وراء الدولة والجيش وداخل حكومة فاعلة ومنتجة ومقنعة داخلياً وخارجياً..
ليس هناك طريق آخر للدفاع عن وحدة الأرض والشعب بوجه خطط الترنسفيرات المتعددة في العالم، والتي مسرحها ليس فقط غزة والضفة وكرباه باخ ومناطق أوكرانية والسودان وسورية، بل حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية التي تتحضر لتشهد أكبر عملية ترانسفير لمهاجرين فيها.
الأمثلة الواردة أعلاه عن جنون بورصة الترنسفير ونقل السكان في كل العالم وفي كل بيئاته الديموقراطية وغير الديموقراطية؛ تؤشر إلى أمر خطر أساسي وهو أنه لا يوجد خيمة على رأس أي بلد بمواجهة احتمالات تعرضه لعدوى التهجير واقتطاع الأراضي؛ ولبنان رغم تصريحات واشنطن و”ترامب القادر” على الالتزام بسحب إسرائيل من كل لبنان، فإن هذا لا يعني أنه صار يمكنه الاطمئنان إلى تصريح مهما كان مصدره؛ وغض النظر عن ما يجري واقعياً ومادياً حول العالم من تغييرات جيوسياسية وديموغرافية يقوم بها القوي ضد الضعيف أو الأقل قوة!!