خاص الهديل…
قهرمان مصطفى…
مشهدٌ لم يكن متوقعاً حصوله عند تسليم حماس الأسيرات الإسرائيليات الأربعة في غزة؛ مشهدٌ أقل ما يُقال عنه أنه كان بمثابة الصدمة للنخب الحاكمة في إسرائيل؛ فالمشهد كان أكبر من أن يوصف واحتاج أن يتصارع عليه السينمائيون لكي يحللوا ما جرى فوق منصة تسليم الأسرى للصليب الأحمر..
فعلى الرغم ما تعرضت له مدينة غزة من دمار طوال الـ 15 شهراً، ورغم الركام الذي يحتاج لأكثر من 20 عاماً لإزالته؛ كان مشهد إطلاق سراح الأسيرات الإسرائيليات صادماً ومدهشاً للقادة الإسرائيليين والرأي العام الإسرائيلي؛ فمقاتلو حماس الذين كانوا بالعشرات وبكامل أسلحتهم وعتادهم وبملابس عسكرية زاهية وبسيارات دفع رباعي حديثة مسيطرين بذلك على المشهد كاملةً؛ وهذا يُفسر حجم الصدمة التي أصابت الإسرائيليين، والتي لا تعني سوى أن حماس لا تزال تحتفظ بقوتها وأن أيام الحرب والدمار والإبادة طوال أكثر من سنة لم تؤت بثمارها ولم تحقق نتائجها المعلنة من البداية. فلم تدمر حماس تدميراً كاملاً وشاملاً ولم تحرر الأسرى والمحتجزين بالقوة.
وعليه فإن الرأي العام الإسرائيلي لم تغب عن صحفه ومحلليه من أن يصفو مشهد إطلاق سراح الأسيرات الصادم؛ فقد وصف الكاتب الإسرائيلي شلومي إلدار في صحيفة هآرتس بأن المشهد كان مزيجاً من الدموع والدهشة التي سيطرت عليه. متعجباً من طريقة عرضه المثيرة للقوة، ومعتبراً في الوقت ذاته بأنه حدثاً مسرحياً تم التخطيط له بدقة حتى بأصغر تفاصيله، نظمته القسام هناك؛ مستغرباً من مقاتلي القسام الذين ظهروا بزي رسمي جديد ومكوي، وبأسلحة متطورة، تحيط بهم مواكب من سيارات بيضاء حديثة، في ساحة السرايا وسط غزة.
وفي السياق ذاته يتساءل الكاتب: “لكن وسط دموع الفرح والعيون الرطبة، لا يوجد من لم يسأل نفسه: كيف؟ بعد عام وأربعة أشهر من القتال العنيف، ما زال المئات من مقاتلي حماس، بزيهم الرسمي الجديد والمكوي، يلوحون بأسلحتهم، تحيط بهم سيارات تويوتا بيضاء حديثة، فى مشهد سيظل محفوراً في الذاكرة منذ يوم 7 أكتوبر الملعون. كيف يمكن أن يحدث هذا؟”
مشهد تسليم الأسيرات تأكيد على حجم الهزيمة السياسية لدولة وحكومة الاحتلال. فبعد 15 شهراً من الحرب، بقيت حماس واقفة. هكذا قال محلل شؤون الشرق الأوسط فى صحيفة “يديعوت احرونوت” ايسخاروف. الصحف الإسرائيلية أجمعت على أن مشهد تسليم الأسرى خطف أنظار الإسرائيليين، إذ لم يقتصر حضور مقاتلى كتائب القسام على تسليم الأسيرات، بل جاء كرسالة واضحة وقوية بأن حماس ما زالت صامدة، وأن المقاومة لا تزال حية ومستمرة، رغم كل محاولات الإبادة التى واجهتها.
إخراج المشهد من حماس لم يكن حديث المحللين فقط، بل كان للمخرجيين السينمائيين الإسرائيليين كلمتهم فيه، ومنهم المخرجة الإسرائيلية عينات فايتسمان التي علقت على مراسم الإفراج عن الأسيرات المجندات بقولها : “يا للإخراج… الديكورات، الملابس، الإعداد المسرحي.. هكذا يتم إخراج الانتصار المطلق”. فمهندس عملية التسليم لا يقل عبقرية عن مهندس إدارة الحرب. هذه عقلية من دخل المعركة وهو موقن بالنصر؛ فاستعد لهذه اللحظة بهذا الإخراج. الشعارات وُضعت بعناية فائقة.. كل شعار له مغزى. المنصة و جودة الترتيب لها مغزى. الحشد والاستعراض العسكري المهندم له مغزى. وضع شعارات نخب وألوية وفروع الجيش الغاصب على المنصة له مغزي. كلكم تحت نعالنا.. استخبارات. ونخبة.. وفرق..
بهذا الوصف يمكن القول أن المشهد الذي صُدِم به الإسرائيليون على خلفية إطلاق سراح الأسيرات لا يؤدي إلا لجملةً: مسلسلٌ إخراجي بتوقيعٍ قسّامي.. بدأت حلقاته من أول لحظات التسليم.. ونهايته لم تأتي بعد.