خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
عملية ضرب التواريخ باعتبارها مواعيد مقدسة يتم بالعادة تحاشي تحديها؛ هي اختراع دولي هدفه شراء الوقت من ناحية وخلق حالة من الهيبة الدولية من ناحية ثانية عن طريق الإيحاء للمحليين والإقليميين بأن عليهم أخذ الحيطة والحذر من الدوس على الخط الأحمر الدولي المتثمل بالتاريخ المضروب لهم من قبل دولة عظمى أو دول عظمى.
ويمكن ببساطة لأي مراقب أن يلاحظ هذا المعنى التهويلي الموجود داخل سياسة ضرب المواعيد والتواريخ الدولية كما يشهده لبنان خلال هذه الفترة: يوم ٩ يناير بالأساس ضربه الرئيس نبيه بري ليكون موعداً سيتم بخلاله لأسباب داخلية طارئة إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب فخامة الرئيس؛ ولكن سرعان ما تحول يوم ٩ يناير كموعد لاختبار نوايا المحليين اللبنانيين أمام المجتمع الدولي الذي ظهر فجأة أنه أصبح يصر على أن يتم إنهاء الشغور الرئاسي يوم ٩ يناير. وهكذا صار يوم ٩ يناير المحلي استحقاقاً دولياً؛ وأمكن بالتالي جعله استحقاقاً مجدياً وقابلاً للتحقق.
يوم ٢٧ يناير تم تحديده كموعد دولي لانسحاب إسرائيل من كل مناطق احتلالها في جنوب لبنان؛ ونام اللبنانيون على رهان أنه بمثلما جرى في يوم ٩ يناير انتخاب فخامة الرئيس بضغط دولي – إقليمي، أو تحت تأثير الهيبة الدولية المسلحة بإشعاعات ترامب؛ فإنه سيتم أيضاً يوم ٢٧ يناير انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بضغط أميركي مسلح بإشعاعات دخول ترامب للبيت الأبيض. ولكن النتيجة لم تكن حسب التوقعات؛ وظهر أن الضغط الدولي أو الهيبة الأميركية الترامبية في لبنان ليس لها ذات التأثير على إسرائيل وعلى نتنياهو. صحيح أن هيبة ترامب على إسرائيل وعلى نتنياهو ساهمت في جعل نتنياهو يوقف الحرب على لبنان؛ وصحيح أيضاً أن هيبة ترامب على نتنياهو أكبر من هيبة بايدن عليه، ولكنها ليست هيبة مطلقة، فيما هي تبدو مطلقة على لبنان.. وعليه يجب على لبنان أن يعيد حساباته بموضوع ما هو المدى الذي يذهب فيه ترامب بالضغط على إسرائيل؛ وإلى أي مدى يجب على لبنان أن يعتمد على ضغط ترامب على نتنياهو؛ وأيضاً إلى أي مدى يرغب ترامب بالضغط على إسرائيل بخصوص لبنان.
لقد مدد ترامب موعد ٢٧ يناير إلى موعد ١٨ فبراير؛ وليس مفهوماً سبب هذا التمديد من الناحية التقنية؛ ذلك أن الحجج التقنية والأمنية التي أوردتها إسرائيل تشبه حجة الثعلب الذي يقف عند أعلى جدول المياه؛ واتهم الخاروف الواقف عند اسفل الجدول بأنه منع وصول مياه الجدول إليه!!
.. وعليه فإن تمديد فترة تأخير الانسحاب الإسرائيلي يجدر قراءته بوصفه ذو خلفيات سياسية بامتياز؛ وبدرجة أولى وأساسية فهو يخص علاقة ترامب بنتنياهو وإسرائيل.. وهنا نلاحظ ما يشبه بداية مشهد تكرار علاقة نتنياهو ببايدن؛ وفي حال كرر نتنياهو كسر رغبة ترامب بعدم الانسحاب من الجنوب يوم ١٨ فبراير، فهذا سيعني واحداً من أمرين إثنين: إما أن نتنياهو استوعب تسونامي هيبة ترامب وبددها؛ أو أن ترامب محدود الهيبة موضوعياً أو لرغبة منه تجاه إسرائيل.
بكل الأحوال فإن عدم التزام نتنياهو بيوم ٢٧ يناير المفترض أنه ممهور بتوقيع ترامب؛ يجب أن يضيء الضوء الأحمر الذي يحذر من أخطار قدرة التفاصيل المحلية فيما لو تراكمت على تخريب المسارات الدولية حتى لو كانت كبيرة، خاصة فيما لو هذه المسارات الكبيرة تكاسلت وأبدت في لحظات حساسة عدم تصميم على تحقيق أهدافها.