الهديل

موقف لحظة: السعودية تعود إلى لبنان: عاصفة حزم وإعادة أمل

موقف لحظة:
السعودية تعود إلى لبنان: عاصفة حزم وإعادة أمل

 

المصدر: جريدة اللواء

 

بعد سنوات من الفراغ الرئاسي والازمات الدستورية والسياسية والامنية والمالية والاقتصادية،دخل لبنان منعطفاً جديداً مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وترؤس القاضي نواف سلام حكومة فُصّلت لأوّل مرة بمقاسات وطنية خارج «القالب» المعتمد منذ اتفاق الدوحة، من طريقة تشكيلها الى اختيار وزرائها وصولاً الى اختبار بيانها الوزاري الذي يحطّ من دون أي مقاومة في المجلس النيابي الاسبوع المقبل لنيل الثقة البرلمانية، التي ستضاف الى الثقة الشعبية والمباركة الدولية والعربية، وخاصة من المملكة العربية السعودية، التي نالتها الحكومة منذ لحظة تشكيلها.

هذه التحولات تفتح الباب أمام مستقبل ايجابي للبنان شعباً ودولةً، لكنها أيضاً تضع الحكومة الجديدة أمام اختبار أساسي: هل يكون التغيير الحاصل حتى اليوم نقطة انطلاق نحو استعادة الدولة لهيبتها وسلطتها، أم مجرد محطة أخرى في دوامة المراوحة والمساومات والمواجهات خاصة على «طريق المطار» التي يبدو أنها مرشحّة في المرحلة المقبلة لتنافس شعار «طريق القدس» في أدبيات حزب الله.

المملكة العربية السعودية، التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان في أزماته المصيرية، ورعت اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية وحلّ الميليشيات المسلّحة، لم تتعامل يوماً مع الواقع اللبناني بمنطق ردة الفعل، سواء في المرحلة السابقة أو بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون نتيجة جهد ديبلوماسي سعودي حسم التردّد الذي سيطر على حركة باقي اعضاء اللجنة الخماسية، بل بمقاربة استراتيجية تراعي مصلحة لبنان واللبنانيين من جهة، وأمن المنطقة ودول الخليج العربي واستقرارها من جهة أخرى.
فقد كان موقف المملكة واضحاً وثابتاً في السنوات الأخيرة كما اليوم: لا دعم إلا لدولة ذات قرار سيادي تحتكر حمل السلاح وتُصادر السلاح غير الشرعي ولا تتغاضى عن تصديره وعن تصدير الممنوعات، ولا استثمار في مشاريع تعيد إنتاج ذات الأزمات السابقة بل في مشاريع اصلاحية وانتاجية تعزّز الانتماء الى الدولة وتمنع الاستقواء عليها.
واليوم، مع انطلاق عمل حكومة الرئيس نواف سلام، فإن العين السعودية – والعربية عموماً – تتّجه إلى بيروت لرصد المؤشرات الأولى: هل ستُترجم المباركة التي حظي بها تشكيل الحكومة إلى خطوات عملية تقود لبنان إلى طريق التعافي، أم أن التجربة الجديدة ستثبت أن التغيير في الشكل لا يعني بالضرورة تغييراً في المضمون؟

فعلى الحكومة اللبنانية أن تُدرك أن الدعم الخارجي، مهما كان سخياً، لن يكون بديلاً عن الإصلاح الداخلي. فالمملكة لم تبخل يوماً في تقديم يد العون الى لبنان وشعبه ومؤسساته الرسمية وخاصة الجيش اللبناني، لكنها في الوقت ذاته لن تكون شريكة في أي تمويل بدون خطط واضحة وآليات صرف شفافة، والأهم أن أي تمويل لن يكون لإستبدال أي زعامة أو مرجعية بأخرى بل لإحلال منطق الدولة والمؤسسات مكان عقلية الدويلة والزبائنية.
فالمطلوب اليوم هو إثبات أن لبنان قادر على إدارة شؤونه بمسؤولية، وأن حكومته الجديدة ليست مجرد واجهة جديدة لذات البضاعة السياسية القديمة، بل فريق عمل ملتزم بمسار واضح: إصلاح مالي واقتصادي جدي يحافظ على حقوق الدولة ولا يمسّ بأموال المودعين، سياسة خارجية متوازنة تُراعي المصلحة اللبنانية وتنسجم مع المصلحة العربية، قضاء مستقلّ فعلاً لا يخشى لا التدخّل السياسي او غير السياسي والاهم أن لا تكون الاستقلالية غطاءً للتفلّت من المعابير وشعاراً لاستبدال التبعية السياسية بأخرى قضائية، وإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة واحتكارها حمل السلاح كما نصّ عليه اتفاق الطائف لا أن تبقى ساحة صراع لحروب اقليمية او مصالح مذهبية لا شأن للبنانيين بها.
لا شك أن طريق التعافي واستعادة الدولة لقرارها وسلطتها على كافة اراضيها، ليس سهلاً، ولكنه ليس مستحيلاً. والمملكة، التي أبدت استعدادها لدعم هذا المسار، تملك من التجربة والرؤية والالتزام والحرص على لبنان واللبنانيين ما يجعلها شريكاً طبيعياً في اعادة لبنان الى سابق تألّقه. لكن ذلك كلّه يبقى مرهوناً بسؤالٍ جوهريّ: هل ستُحسن الحكومة اللبنانية الجديدة التعامل مع عاصفة الحزم الدولي والعربي والتي تحظى برعاية سعودية واضحة، أم تضيّع الأمل الذي لاحت تباشيره معها؟ فلبنان اليوم في عين العاصفة وهو أمام اختبار العودة كدولة ذات سيادة، فإما أن ينجح في هذا الاختبار، أو سيكون عليه الانتظار حتى تأتي عاصفة أخرى، ولكن دون أن تحمل معها أي أمل.
«راجح»

Exit mobile version