خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة
ينظر اللبناني حوله ثم يصلب على صدره إذا كان مسيحياً ويبسمل إذا كان مسلماً؛ والسبب هو أنه يريد رفع المفاجأة عنه. والحق يقال أن حكومة نواف سلام تدعو للمفاجأة فيما لو تفَكر اللبنانيون بالطريقة المباغتة التي هبطت بها بالمظلات ومن دون مقدمات وراء خطوط الحياة السياسية اللبنانية المعاشة منذ عقود.
صحيح أن نواف سلام معروف داخل الحياة السياسية اللبنانية؛ فهو إبن شقيق صائب بك سلام الذي كان مرشحاً دائماً لرئاسة الحكومة؛ وكان – أي نواف – طُرح إسمه غير مرة لتولي رئاسة الحكومة لكن فريق الممانعة كان يضع عليه فيتو واضحاً، غير أن الصحيح أيضاً أن نواف سلام لم يكن مطروحاً مرشحاً لدخول السرايا الكبير بل لاستخدامه كسقف مرتفع يؤدي التفاوض عليه للتصالح على إسم يحل مكانه بالسرايا.. وهذا المعنى لنواف سلام لا يزال مستمراً بذهن كثيرين اضطروا لأن يوافقوا عليه هذه المرة لأنهم وجدوا أن اللحظة الدولية والإقليمية ليست حالياً بمزاج من يريد التفاوض بل تجنح للإملاء وفرض الأمر الواقع.
هناك سؤال يجب الإجابة عنه حتى نعرف ماذا يمكن لنواف سلام أن يحقق فعلياً؛ وحتى أنه يبدو مطلوباً من نواف سلام ذاته أن يساعد في الإجابة عنه.. ومفاد السؤال هو من يمثل نواف سلام؟؟. بعبارة أخرى من هي البنى الإجتماعية التي تدعمه(؟؟) أو “من هي البنى الإجتماعية التي ستدافع عن مشروعه” وستسير إلى جانبه كظله للنضال في سبيل تحقيق إصلاحاته وأفكاره؟؟.
جرى الحديث عن أنه مدعوم من (كلنا إرادة) ولكن الأخيرة ليست أكثر لوبي وشبكة ضغط قد يكون نواف سلام يعرف شخصياتها ولكنه حسب ألف مصدر غير منقاد منهم. فنواف سلام يستمع للكثيرين ويوحي لهم أنه اقتنع بوحهة نظرهم؛ غير أن نواف سلام بالنهاية مقتنع بوجهة نظر نواف سلام.. ولكن هل يعني ذلك أنه شخص “متوحد سياسياً” – إن صح التعبير – وأنه كأبو الهول لا ترف له جفن لفكرة يسمعها ولا يتأثر بوجهة نظر تساق إليه!!. ربما المقصود أنه ليس شخصاً يريد أن يسير وراء جماعة أو حزب بل وراء نفسه. وبحسب البعض أنه يوجد استثناء لهذه النظرية وهي فؤاد السنيورة الواقف بالظل وراء نواف سلام والذي حرك خيوط حركته أثناء تشكيل الأخير للحكومة.
يقال أن نواف سلام هو فترة انتقالية تمهد لحكومة فؤاد السنيورة وأن الأخير ينتظر بصبر وأناة أن تمضي غيمة صيف الحكومة الحالية لتظهر سحب حكومته التي هي الأجدر أن تمثل التيار المعولم في لبنان.
بكل حال فإن الأصل في كل هذا النقاش هو القول أن هناك فكرة خطرة. وهي أشبه بخطأ شائع مفادها أن قوة حكومة نواف سلام تتمثل بدعم الخارج لها؛ وأن قاعدتها الإجتماعية هي الخارج بكل ألوانه وهذا مصدر قوتها الوازن والحاسم (الخ..)… ولكن ما يمكن قوله بثقة هنا هو أن الخارج يستطيع أن يفرض إسم مرشحه لهذا المنصب أو ذاك، على الواقع السياسي اللبناني الداخلي؛ ولكن مهما بلغ دعم الخارج للحاكم في لبنان فهو لا يستطيع الأخذ بيده كي ينجح في الحكم في حال لم يكن هناك بنى داخلية تدعم الحاكم الذي يحكم وتناضل معه من أجل تحقيق أفكاره في الدولة وفي المجتمع وداخل الثقافة العامة.
.. لأول وهلة تبدو حكومة نواف سلام كأسطول عملاق تابع لدولة عظمى شطط فجأة على شواطئ لبنان؛ ونواف سلام أطل من قمرة قيادته كقبطان برتبة أدميرال عالمي على كتفيه نجوم ممهورة بتوقيع النظام الدولي، وبصحبته صواريخ عابرة للقارات من نوع غسان سلامة وطارق متري، والرجلان كما نواف سلام هما معولمان للحد الذي يجعل حكومة نواف سلام نشبه لجنة من لجان مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.
لا يتم إيراد هذا التوصيف للتقليل من أهمية كفاءة المذكورين أو للشك بخلفياتهم المحترمة؛ بل كل المقصود هنا هو القول أن حكومة نواف سلام بشخصه وبتركيبتها تبدو حكومة معولمة، ولكنها للمفارقة الباسمة، تعمل في ريف نائي ضربته زلازل مالية وحربية على التوالي.
والإشكالية أو المصادفة تكمن في أن غسان سلامة الذي ينظر إليه – أقله وفق الانطباع العام – على أنه يمثل قوة العولمة داخل الحكومة؛ هو ذاته كان منشغلاً خلال العامين الأخيرين في تحبير نظرية “إغراء القوة” التي تتحدث عن تراجع العولمة لأسباب على صلة بصراع الولايات المتحدة الأميركية مع الصين وعن تراجع رهان الاعتماد على الدعم الدولي لأن العالم بات محكوماً بموازين القوى وليس بالقانون الدولي!!.
قصارى القول هنا أن عولمة غسان سلامة داخل حكومة نواف سلام يبقى منها خبرة سلامة في شؤون العالم؛ وليس قدرته على تجيير رصيد العولمة الذي اكتنزها لحسابها والسبب يعود لما يقوله سلامة ذاته عن أن العالم هو راهناً حبيس إغراء القوة؛ أي قدرة القوي الكبرى القوية – والتي هي هنا إسرائيل المدعومة من ترامب – على مد يدها على حقوق الدولة الضعيفة التي هي هنا لبنان..
نفس الأمر يمكن إسقاطه على طارق متري الذي كتب قبل عام أن القرار ١٧٠١ لم ينفذه في الماضي لا الأمم المتحدة ولا إسرائيل ولا حزب الله ولا الولايات المتحدة الأميركية ولا لبنان؛ وأن هذا القرار كان وسيظل على مستوى كيفية تنفيذه هو نتاج موازين القوى… والآن لم تتغير مصداقية نظرية متري عن القرار ١٧٠١ ولكن الذي تغير هو متري الموجود في حكومة تريد تنفيذ القرار ١٧٠١ من خارج صلته بموازين القوى..
أخيراً يبقى من الإنصاف القول أن غسان سلامة وطارق متري ونواف سلام هم نخب لبنانية وعالمية ولا ينتقص من هذه الحقيقة أنهم في هذه اللحظة يقرؤن في “كتاب ألف باء الطهي” اللبناني؛ علماً أنهم ذاتهم كانوا حتى الأمس القريب يكتبون ويناقشون كيف يمكن للعالم أن يخرج من أزمة نظامه المتعثر!!.

