نزيه حمد:
الدولة الناجحة هي التي تصنع الفرص وتدعم النجاح
وتستثمر في عقول أبنائها
إن بناء اقتصاد قوي ومستدام لا يعتمد فقط على توفر الموارد المالية، بل على البيئة التي تتيح للأعمال أن تزدهر وتنمو. عندما تكون الدولة وجهةً للأحلام والطموحات، فإنها تتحول إلى مركز لجذب المستثمرين، ورجال الأعمال، ورواد المشاريع، مما يعزز مكانتها الاقتصادية ويجعلها نموذجًا للنمو والازدهار.
دور القيادة في دعم الاقتصاد وخلق فرص العمل
لكي يتحقق ذلك، يجب أن تتبنى القيادة رؤية تدعم رواد الأعمال، لا أن تعرقلهم أو تضع أمامهم الحواجز والعقبات البيروقراطية. القوانين والأنظمة يجب أن تكون مرنة وسهلة التطبيق، بحيث تساعد أصحاب المشاريع على تحويل أفكارهم إلى واقع دون الدخول في متاهات إدارية معقدة. كما يجب أن توفر الحكومة بيئة تحفيزية من خلال تقديم التسهيلات، وتقليل الضرائب والرسوم غير الضرورية، وتبسيط إجراءات التراخيص، وتقديم دعم تقني واستشاري لمن يحتاجه.
لكن الأهم من ذلك، هو التركيز على خلق فرص عمل مستدامة لأبناء الوطن، بحيث يكون الاقتصاد المحلي قادرًا على استيعاب الكفاءات والمواهب الشابة. البطالة من أكبر التحديات التي تواجه أي مجتمع، والدول التي تنجح في الحد منها هي التي توفر بيئة أعمال مزدهرة تدعم التوظيف والتوسع الاقتصادي. دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار في المشاريع الإنتاجية، وتحفيز القطاع الخاص على التوظيف، كلها عوامل تساعد على توفير فرص عمل حقيقية ومستدامة.
الحد من هجرة العقول واستثمار الطاقات المحلية
من أكبر التحديات التي تواجه الدول النامية هو هجرة الكفاءات والعقول إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل. عندما يشعر الشباب بعدم وجود فرص حقيقية للنمو والتطور في بلدهم، فإنهم يتجهون إلى الدول التي توفر لهم بيئة أفضل، مما يؤدي إلى خسارة العقول والمواهب التي كان يمكن أن تساهم في بناء الاقتصاد الوطني.
الحل ليس فقط في تقديم رواتب مغرية، بل في خلق بيئة عمل محفزة، وتوفير الفرص للابتكار والتطور المهني، والاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا، ودعم ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة. عندما يشعر أبناء الوطن أن لديهم مستقبلاً مشرقًا داخل بلادهم، فإنهم لن يبحثوا عن الفرص في الخارج، بل سيساهمون في بناء وطنهم وتحقيق نهضته الاقتصادية.
الأمان والاستقرار أساس الازدهار
النجاح الاقتصادي يحتاج إلى استقرار سياسي وأمني، حيث يشعر المستثمرون والأفراد بالأمان على أموالهم وأعمالهم، مما يشجعهم على التوسع والمساهمة في خلق فرص عمل جديدة. الأمن الاقتصادي لا يقل أهمية عن الأمن المادي؛ فالاستقرار المالي، ووجود قوانين واضحة لحماية الاستثمارات، وبيئة شفافة خالية من الفساد، كلها عوامل تضمن ثقة رجال الأعمال وتعزز النمو الاقتصادي.
البنية التحتية كركيزة أساسية
لا يمكن لأي اقتصاد أن يزدهر دون بنية تحتية قوية ومتطورة. الطرق، والموانئ، والمطارات، وشبكات الاتصالات، والكهرباء، والمياه، كلها عوامل تسهل حركة التجارة والصناعة وتجذب المستثمرين. عندما تتوفر هذه العناصر بجودة عالية، يصبح من السهل تأسيس الأعمال وتشغيلها بكفاءة، مما يرفع من مستوى الإنتاجية ويساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين.
تشجيع الابتكار وريادة الأعمال
الدول التي تدرك أهمية الابتكار ودور الشركات الناشئة في الاقتصاد هي التي تتقدم بخطوات سريعة نحو المستقبل. دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير التمويل الميسر، وإطلاق حاضنات الأعمال، والاستثمار في البحث والتطوير، كلها خطوات تجعل الدولة بيئة جاذبة للمبدعين والمبتكرين، مما يخلق موجة من المشاريع الجديدة التي تساهم في دفع عجلة الاقتصاد وخلق المزيد من فرص العمل.
الخلاصة
عندما تؤمن القيادة برواد الأعمال وتوفر لهم بيئة محفزة، فإن الاقتصاد يتحول إلى قوة حقيقية. الدولة التي تدعم النجاح ولا تعيقه، وتؤمن بأن ازدهار الأعمال يعني ازدهار المجتمع، ستكون دائمًا وجهة لكل من يسعى للنجاح. لكن النجاح الحقيقي لا يكمن فقط في جذب الاستثمارات الخارجية، بل في تمكين أبناء الوطن، وتوفير فرص عمل حقيقية لهم، والحد من هجرة العقول، واستثمار الطاقات المحلية لبناء اقتصاد قوي ومستدام.
النجاح ليس مجرد أرقام في البنوك، بل هو في خلق بيئة تتيح للأفراد تحويل طموحاتهم إلى إنجازات، وتحويل الدول إلى مراكز اقتصادية عالمية، مع ضمان أن أبناءها هم المستفيدون الأوائل من هذا النجاح.