خاص الهديل…
بعد خمسة عقود وعلى وقع أنغام “طلع البدر علينا”… دخل وفد من الدروز السوريين الأراضي المحتلة في إسرائيل، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ حرب 1973، وهي زيارة تحمل الكثير من الدلالات التي تتجاوز كونها مجرد لقاء ديني أو اجتماعي.
ما بين جدران المقامات المقدسة ومقامات التاريخ المشترك، تتقاطع اليوم الأحداث لتطرح تساؤلات حول معنى هذه الزيارة في هذا التوقيت. هل هي محاولة تقارب ديني؟ أم خطوة سياسية تحمل في طياتها رسائل جديدة للعلاقات بين إسرائيل والدروز في سوريا؟
اليوم، وفدٌ درزي ضم نحو ستين من رجال الدين عبروا من سوريا إلى الأراضي المحتلة، ليصل إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، حيث استُقبلوا بحفاوة كبيرة من قبل أبناء الطائفة الدرزية في المنطقة، الذين رفعوا الأعلام التراثية وصدروا الأنغام الشعبية احتفاء بهذه الزيارة، على أن يكون برنامج الزيارة، التوجه إلى مقام النبي شعيب في بلدة جولس، شمالاً، للقاء الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، وبذلك يكون هذا اللقاء الأول الذي يجمعهم منذ نحو خمسين عاماً؛ على أن يشارك الوفد صباح السبت في افتتاح مقر ديني في قرية البقيعة في شمال اسرائيل، بحسب برنامج الدعوة الموجّه من الشيخ طريف؛ وهذا بالتأكيد يأتي في وقت حساس من تاريخ المنطقة، وتطرح عدة تساؤلات حول دلالاتها.
من خلال هذه الزيارة، يمكن استخلاص عدة دلالات تشير إلى تغيرات جوهرية في العلاقات بين الطائفة الدرزية في سوريا وإسرائيل. أولاً، تجسد الزيارة انفصالاً عن المواقف التقليدية في الطائفة الدرزية التي كانت تميل إلى البقاء على الحياد في النزاعات السياسية السورية، والتمسك بالهوية السورية دون التورط المباشر في الصراع مع إسرائيل؛ اليوم، يبدو أن الوضع قد تغير، مع تساؤلات حول قدرة الدولة السورية على توفير الحماية لهذه الطائفة الصغيرة في ظل الظروف السياسية والأمنية الراهنة، وعليه فالزيارة قد تكون إشارة إلى أن بعض شخصيات الطائفة الدرزية لم تعد تثق في النظام السوري الجديد، وقد يكون ذلك نتيجة للأحداث الأخيرة التي شهدها الساحل السوري، إضافةً لتدهور الأوضاع الأمنية في مناطقهم.
وضمن هذا السياق، فإن سماح إسرائيل باستضافة هذا الوفد الديني من الدروز في هذا التوقيت، قد يكون له بعد سياسي مرتبط باستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تعزيز وجودها داخل المجتمع الدرزي السوري، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة في سوريا؛ ففي الآونة الأخيرة، برزت تصريحات إسرائيلية تتعلق بحماية الدروز في سوريا، مثل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي التي هدد فيها بالتصدي للنظام السوري الجديد في حال تعرض الدروز لأي تهديد، ومن المحتمل أن إسرائيل تسعى إلى استثمار هذه الروابط مع الطائفة الدرزية للتأثير على الوضع الداخلي السوري، ومحاولة تجنيد هذه الأقلية التي تعيش في الجولان والمناطق الحدودية.
بالمقابل، هذه الزيارة لاقت معارضة من داخل المجتمع السوري، وأيضاً من مشيخة العقل الدرزية في لبنان، حيث أثارت انتقادات شديدة في بعض الأوساط السياسية والدينية، خصوصاً في محافظة السويداء، حيث يشكل الدروز أغلبية سكانية. هؤلاء يرفضون فكرة التورط في أي علاقة مع إسرائيل، معتبرين أن هذا يهدد وحدة سوريا ويخدم أجندات معادية للوطن.
أما على الجانب الآخر، هناك من يرى أن الانفتاح على إسرائيل قد يكون خياراً لحماية الأقلية الدرزية من التهديدات المتزايدة في ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات عميقة.
خلاصة القول، تبقى زيارة الوفد الدرزي من سوريا إلى إسرائيل في هذا التوقيت محطة تاريخية قد تكون بداية لتطورات سياسية ودينية هامة؛ في حين أن الطائفة الدرزية تحتفظ بمكانتها الخاصة في التاريخ السوري والإسرائيلي على حد سواء، فإن استجابة الدروز لهذه الدعوة قد تعكس تحولات عميقة في فهمهم لواقعهم ومستقبلهم في المنطقة، وقد تفتح هذه الزيارة الباب لمرحلة جديدة من التفاعلات بين الأقلية الدرزية والدولة الإسرائيلية، وهو ما قد يغير ديناميكيات العلاقة بين السوريين والإسرائيليين في السنوات القادمة.