خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يبدو صعباً في هذه اللحظة وضع توقع للأحداث في المنطقة؛ والمقصود هنا ليس فقط استشراف إلى أين تتجه المنطقة؛ بل أيضاً ما هي نوعية الأحداث المحتملة؟.
في الحياة العامة هناك أمر يسمى بالمفاجآت؛ أي أن تحدث أمور خطرة وقاسية من خارج أي توقع مسبق عنها. وهذا النوع من الأحداث – أي المفاجآت غير المتوقعة – هو أكثر ما يمكن انتظاره في لبنان خلال الفترة المرئية.
لماذا؟؟.
لأن الأحداث الضخمة والتي تسمى مفاجآت لا تحدث عملياً – بعكس ما هو رائج – من خارج ما هو متوقع؛ ولكنها تحدث حينما يكون البلد في غفلة عن التوقع.. وعليه يمكن القول أنه في حال حصل حدث ضخم له سمة المفاجأة في لبنان، وأدى إلى خلط الأوراق وتغيير المسار؛ فإنه يجب الاعتراف بأن ما حدث لم يكن مفاجأة كبرى؛ بل المفاجأة الأكبر تقع في أن البلد تفاجأ لأنه لم يتوقع مسبقاً، أو كان في غفلة عن التوقع.
وما تقدم يريد التركيز على فكرة مفادها أن على لبنان توقع حدوث مفاجأة، والسبب بسيط ولكنه خطر:
أولاً- لأن لبنان يعيش عدة وقائع واضحة في دلالاتها؛ وجميعها تؤشر إلى أن هناك أكثر من ملف حساس موجود داخل مسار انسداد الأفق السياسي بخصوص إمكانية حله؛ ويجدر التذكير هنا أن المفاجآت تولد وتنمو داخل رحم انسداد الأفق السياسي وداخل دائرة اليأس من إيجاد الحلول للمشاكل التي لها طابع أنها مشاكل ملحة ومشاكل ضاغطة..
الإعمار هو أحد هذه الملفات الملحة؛ وبقاء الاحتلال في جنوب لبنان هو ملف ثان ضاغط؛ وعدم استقرار الوضع في سورية هو ملف ثالث ضاغط؛ والواقع أن كل واحد من هذه الملفات هو إنذار كبير للبنان؛ وهو معطى يحمل بداخله كل مباعث القلق من أن يؤدي لمفاجآت كبيرة.
ثانياً- مبعث القلق من حدوث مفاجأة تأخذ الواقع السياسي إلى مكان آخر؛ يتمثل بأن المنطقة لا تزال تعيش ذهنية استمرار الحرب التي بدأت يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ولم تنته استتباعاتها بعد؛ وذلك رغم كل ما حدث من مستجدات.. وفي مثل هذه الأجواء من استمرار التداعيات داخل مناخ حرب لم تنته؛ يصبح هناك إغراء كبير لدى جميع فرقاء الحرب المباشرين وغير المباشرين، للتفكير بتوجيه ضربات نوعية داخل ساحات الخصم، بغرض تغيير المسار وخلط الأوراق وجعل التوازنات تتحرك إلى حيث تريد!!.
لقد اعتاد لبنان أن يتم تحريكه من مكان سياسي إلى آخر ومن معادلة سياسية إلى أخرى عن طريق احداث مفاجأة كبرى فيه. عام ١٩٨٢ لم تكف حرب إسرائيل الأولى لتغيير المسار؛ فحدث الحدث الأكبر وهو مفاجأة اغتيال الرئيس بشير الجميل بعد انتخابه رئيساً للجمهورية؛ وخلال الحرب بين الحركة الوطنية اللبنانية وعرفات وبين سورية في لبنان لم تكف كل أحداثها لتغيير المعادلة؛ فحصل الحدث الأكبر وهو مفاجأة اغتيال كمال جنبلاط؛ وفي العام ٢٠٠٥ لم تكف كل القرارات الدولية لتغيير المسار فحدث الحدث الأكبر وهو عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري؛ وفي عام ٢٠٢٤ لم تكف كل أحداث حرب إسناد غزة لتغير المعادلة، فحدث الحدث الأكبر وهو عملية اغتيال السيد حسن نصر الله ونائبه.
وكل هذه الوقائع تؤكد أن بوابة لبنان لتغيير المعادلات فيه على نحو حاسم ليست الحروب العسكرية بل المفاجآت الأمنية والسياسية الكبرى الداخلية.
.. وعلى هذا يمكن القول ببساطة ولكن بثقة: هناك أولاً انسداد سياسي على مستوى الإقليم وهو ينعكس على لبنان؛ وهناك ثانياً انسداد سياسي على مستوى الوضع الداخلي اللبناني؛ بمعنى أنه لا يوجد أجوبة عملية بخصوص الملفات الملحة أو الملفات الضاغطة؛ وهناك ثالثاً انسداد سياسي على مستوى أمر مهم وهو من أين يبدأ العهد الجديد دولياً وداخلياً؛ حيث في الداخل تعاني المكونات السياسية من قلة الحيلة لأسباب خاصة بها (الشيعة بسبب نتائج الحرب والسنة بسبب غياب المرجعية الواضحة، فيما الدروز دخلوا على خط حدوث أزمة بين صفوفهم)، وفي الخارج العالم في صخب وضجة وليس لبنان أولوية له رغم الحديث الفرنسي والأميركي عن التطلع للبنان. وهناك رابعاً العامل الإسرائيلي الذي بممارساته يحول القرار ١٧٠١ إلى جرح مفتوح وليس إلى حل مأمول..
وكل ما تقدم يشكل وصفة سريعة لحصول مفاجأة؛ أي حصول “الحدث الأكبر” الذي بالعادة يولد داخل رحم انسداد الأفق السياسي، وهو ما يعاني منه حالياً لبنان بخصوص ملفاته الضاغطة والملحة..