خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لم يبق لدى نتنياهو سوى حل واحد وحيد للنزول عن شجرة مقاضاته بالاختلاس والرشوة والتقصير، وهو الإمعان بالقتل والتجويع والإبادة في غزة..
في حال وافق نتنياهو على دخول المرحلة الثانية من صفقة إطلاق الأسرى ووقف النار – حسب الاتفاق – فإن ذلك سيؤدي من جهة إلى خروج سموتريتش من حكومته ما يعني انهيارها؛ أما إذا استمر بالحرب على غزة فإن ذلك سيؤدي – أغلب الظن – إلى موت من تبقى من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس وإلى مقتل آلاف من المدنيين الغزاويين؛ ولكن من جهة ثانية سيؤدي إلى عودة بن غفير عن استقالته واستقرار حكومته وعدم فرط عقدها.
المعادلة باتت واضحة ومقرؤة: الدم الفلسطيني هو مهر بقاء حكومة نتنياهو حتى نهاية العام ٢٠٢٦.
.. غير أن ما تقدم ليس كل خلفية المشهد.. والقول أن نتنياهو يستمر بالحرب كي يهرب إلى الأمام من السجن ومن المحاسبة ومن إسقاط حكومته، هو أمر صحيح، ولكنه ليس كل الحقيقة؛ وما يحدث هو أن هناك تقصداً أن يتم تسليط الضوء على هذا الجزء من الحقيقة التي تكمن وراء استمرار إسرائيل بالحرب؛ والغاية من ذلك أن يبقى الجزء الآخر من الحقيقة – وهو الأهم – مخفياً، بحيث يتم تحقيقه عملياً من دون كشفه إعلامياً. وهذا الواقع هو الذ ي جعل مراقبين يسمون الانطباع العام السائد بشأن أن استمرار الحرب هدفها خدمة أسباب نتنياهو الشخصية بـ”الإشاعة الصحيحة”؛ بمعنى أن نتنياهو لديه فعلياً أسبابه الشخصية حتى يهرب من وقف الحرب؛ ولكن الأصح أيضاً أن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وعدم وقفها على لبنان والضفة وسورية، هو قرار له أسبابه السياسية والايديولوجية وتقف وراءه خطط كبيرة داخل إسرائيل وليس فقط داخل نوايا نتنياهو..
هناك نظرية تقول ابحث عن سموتريتش وراء الأهداف البعيدة لإسرائيل؛ فهذا اليميني الديني المتعصب صاغ منذ عدة أعوام خطة توجه عمل إسرائيل خلال العقد الحالي، أسماها خطة الحسم.. والتحالف الحكومي الذي يقوده نتنياهو اليوم إسمه الحركي هو “تحالف الحسم”؛ والحكومة إسمها الحركي “حكومة الحسم”. وضمن هذا المعنى فإن نتنياهو ينفذ خطة مرسومة ويقود تحالفاً حكومياً لديه أجندة عمل مسبقة تبرر وجوده؛ إسمها “خطة الحسم”.
وتفاصيل “خطة الحسم” لم تعد من الأسرار؛ فهي باختصار تدعو لقتل الفلسطيني وليس للاعتراف بحقوقه أو بجزء من حقوقه؛ وهي تدعو لاستيطان غزة والضفة ومستقبلاً جنوب لبنان وجنوب سورية، الخ.. ونتنياهو يقول اليوم علناً أن خطته – أي خطة الحسم – تريد تغيير الشرق الأوسط!!
قبل نحو عام وخلال حمأة حرب طوفان الأقصى كتب أحد كبار المسؤولين في الموساد يلخص نتائج زيارة قام بها للولايات المتحدة الأميركية، فقال التالي: هناك حوار استراتيجي بعيداً عن الإعلام يدور بين نتنياهو والمستوى السياسي العميق في واشنطن، فحواه أن نتتياهو وجماعته في حكومته يرون أنه يجب على أميركا أن تغطي حرباً إسرائيلية ضد غزة وفي الشرق الأوسط تستمر عقداً من الزمن؛ أي أن نتنياهو يريد أن لا تنتهي هذه الحرب قبل العام ٢٠٣٠ وذلك حتى يستطيع تحقيق كل أهداف الحرب.. أما المستوى السياسي الأميركي العميق فلديه اقتراح مغاير مفاده أن تتفرغ إسرائيل حتى نهاية هذا العقد لأولوية لإعادة بناء نفسها وترميم ما أصابها من أضرار استراتيجية بفعل حرب غزة. فمثلاً يجب على إسرائيل سد الثغرات داخل جيشها المنهك، والتركيز على دورها الاقتصادي في المنطقة بدل الاستمرار باستنزاف اقتصادها بسبب حروبها في المنطقة؛ واستعادة صورتها العالمية كواحة للديموقراطية في الصحراء العربية، الخ.. وبغضون ذلك يمكن لإسرائيل أن تقوم بممارسة حرب عقد باردة ضد أعدائها وضد حماس وحزب الله، الخ..
ويبدو واضحاً أن اليمين الصهيوني رفض وجهة نظر المستوى السياسي الأميركي وأصر على خوض حرب عقد من الزمن. ولكن يبدو واضحاً أيضاً أن ترامب جاء إلى البيت الأبيض وهو يحمل معه تطويراً للمقترحين الموجودين فوق طاولة النقاش الأميركي الإسرائيلي، حيث يقترح ترامب حلاً وسطاً بين النظريتين، عنوانه: “أنجز المهمة بسرعة”.. وترجمة اقتراح ترامب هو أنه يفهم وجهة نظر نتنياهو بخصوص أن عليه تحقيق كل أهداف الحرب، ولكن لديه شرط واحد وهو أن ينجز كل هذه الأهداف بسرعة!!
والواقع أن ما يحدث اليوم من مجازر في غزة، وما حدث ويمكن أن يحدث في لبنان وسورية، إنما هي وقائع تنتمي لتطبيقات نظرية ترامب التي توصي نتنياهو بأن ينجز المهمة بسرعة!!