خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
أهم استنتاج يمكن أن يخرج به المراقب بخصوص هجوم الصواريخ الثلاث البدائية هو أن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل لا يملك ضمانات حصينة تحميه من الانهيار أو تحميه من شهية نتنياهو من الانقلاب عليه..
والعملية التي حدثت أول أمس تثير أسئلة “لوبونية” (نسبة للمحقق البوليسي ارسين لوبين). أولاً لماذا العودة إلى هذا الأسلوب من العمليات؟؟ معروف أنه منذ سنوات طويلة كانت مجموعة فلسطينية تخرج من مخيمات صور تحديداً إلى البساتين المجاورة لها وتقوم من هناك إطلاق صواريخ منصوبة على قائمة خشبية باتجاه فلسطين المحتلة؛ وغالباً ما كانت تسقط هذه الصواريخ في الأراضي اللبنانية، ولا يبقى من مفعولها إلا الرسالة السياسية التي تقول أن فلسطينيي لبنان يُبدون عبر هذه العملية الرمزية إرادة التضامن مع فلسطيني الداخل في محنتهم..
وكالعادة كانت هذه العمليات تبقى من دون توقيع؛ وكان يتم بسهولة من قبل الجيش اللبناني ضبط قائمة الخشب التي أطلقت الصواريخ بواسطتها، وكان حزب الله يكتفي ببيان أو بتسريب مقتضب يقول أنه ليس له علاقة بالعملية. فيما إسرائيل ترد ببضع قذائف؛ ويسدل الستار على القضية.
حدث أول أمس نفس السيناريو التقليدي، ولكن مع ثلاثة فوارق تستدعي التفكير على طريقة أرسين لوبين: الفارق الأول تمثل بأن المكان الذي أطلقت منه الصواريخ الثلاث لم يكن من البساتين القريبة من مخيمات مدينة صور، بل من منطقة الشقيف؛ ما يعني أن المجموعة التي نفذت العملية موجودة خارج مخيمات الفلسطينيين في صور، أو كاحتمال ثان قد تكون هذه المجموعة قطعت مسافة طويلة من صور حتى وصلت لنقطة إطلاق الصواريخ. وبالحالتين فإن هذه الوقائع تعتبر أمنياً تطوراً مستجداً يجدر التوقف عنده نظراً لكونه يطرح سؤالاً عن ما إذا كان منفذو العملية فلسطينيين، وقاموا بها رداً على ما يحدث في غزة؛ أم أن من نفذها هم جهة أخرى حاولت استغلال تقليد التضامن الفلسطيني مع غزة لترسل رسائل بعيدة المدى عبر صواريخ بدائية قصيرة المدى؟؟.
الفارق الثاني هو أن المكان الذي أطلقت منه الصواريخ يبعد نحو خمسة كلم عن مستوطنة المطلة الحدودية؛ أي أن المجموعة اقتربت من الحدود إلى مسافة صفر تقريباً؛ وهذا التطور يزيد الغموض حول هوية هذه المجموعة..
.. ثمة فارق ثالث ينطلق من الفارق الثاني ويستكمله، ومفاده التالي: إذا كانت الصواريخ الثلاثة أطلقت من مسافة قصيرة جداً ما يعني أن الوقت الواقع بين رحلة إطلاقها ووصولها إلى هدفها (مستوطنة المطلة) لا يستغرق إلا بضع ثواني؛ وإذا كان هذا النوع من الصواريخ ذو منحنى منخفض؛ يصبح السؤال هو كيف تمكنت القبة الحديدية من التعامل بنجاح مع هذه الصواريخ الثلاثة.. سبب هذا السؤال هو أن القبة الحديدية غالباً ما تفشل بالتعامل مع صواريخ مداها قصير جداً ومنحناها منخفض جداً !!
.. ثلاثة فوارق يمكن وضعها في السلة التي تتضمن العديد من التحليلات عن خلفيات الصواريخ الثلاثة البدائية والتي كادت لولا التدخل الاميركي – كما يشاع – أن تؤدي إلى قيام نتنياهو بقصف بيروت تطبيقاً للمعادلة التي أعلنها وزير الدفاع يسرائيل كاتس: بيروت مقابل المطلة!!