د. حمد الكواري:
حقوق الإنسان بين الشعارات والواقع:
سقوط القيم أمام منطق المصالح
لطالما رفعت الدول الكبرى، وخاصة في الغرب، شعار حقوق الإنسان، معتبرةً إياه المعيار الأساسي في تقييم سياساتها تجاه الدول الأخرى. استُخدم هذا المفهوم في بناء سرديات أخلاقية صنعت الهيمنة الثقافية والسياسية، وتم الترويج له على أنه حجر الزاوية في العلاقات الدولية، وأساس التفاضل بين الدول “المتحضرة” وغيرها.
لكن اليوم، لم نعد نسمع الكثير عن هذا المفهوم الأخلاقي، فقد تلاشى مع العديد من المبادئ الأخرى مثل احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الدول. أمام الواقع الجديد، لم يقتصر الأمر على اختفاء هذه السرديات، بل نشهد كوارث مروعة في منطقتنا ومناطق أخرى من العالم، حيث تُرتكب الفظائع دون أي مساءلة.
المثال الصارخ على ذلك هو ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مذابح مستمرة، حيث يُقتل الأطفال والنساء، وتُدمر المؤسسات الصحية والتعليمية، ويُغتال الصحفيون بدم بارد، وتستمر الطائرات الإسرائيلية في انتهاك الأجواء العربية في أكثر من دولة خرقا للقوانين الدولية. ورغم ذلك، لم نعد نسمع الأصوات التي طالما صدحت بالدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي. بل الأسوأ من ذلك، أن القوى التي تدّعي حماية هذه القيم هي نفسها التي توفر الغطاء السياسي والعسكري لهذه الجرائم وتشارك فيه.
أصبح القانون الدولي مجرد أداة يتم استخدامها حينما تخدم المصالح، ويتم تجاهله بالكامل حين تتطلب القوة ذلك. ما نشهده اليوم ليس مجرد تراجع عن المبادئ، بل هو إعادة تعريف للنظام العالمي نفسه، حيث لم تعد الحقوق والقوانين معيارًا، بل أصبحت القوة والمصلحة الاقتصادية حجر الرحى.
منذ عقود، كانت هناك إشارات واضحة إلى أن مبادئ مثل حقوق الإنسان والديمقراطية لم تكن سوى أدوات تُستخدم لتبرير التدخلات السياسية والعسكرية وإخضاع الدول الأخرى. واليوم، لم يعد الأمر يقتصر على ازدواجية المعايير، بل نشهد انهيارًا كاملًا لمنظومة القيم التي بُني عليها النظام الدولي الحديث.
العالم يشهد تحولًا جذريًا في طبيعة العلاقات الدولية، حيث لم تعد هناك حاجة حتى إلى التظاهر بالتمسك بالقيم والمبادئ. فقد حلت محل السرديات القديمة – التي كانت تتحدث عن حقوق الإنسان والسيادة الوطنية والقانون الدولي – سرديات جديدة تجعل القوة والمصلحة فوق كل اعتبار.
هذا النظام الجديد لا يعترف إلا بمنطق القوة، حيث تتحكم الدول الكبرى بمصائر الشعوب دون الحاجة إلى أي تبرير قانوني أو أخلاقي. والقوى التي تمارس هذه السياسات لا تفهم إلا لغة المصالح، مما يعني أن الحل لا يكون بمجرد المناشدات، بل بخلق معادلات جديدة تفرض توازنًا حقيقيًا في العالم.