خاص الهديل….
محمد عفيفي..
بلدية بيروت ليست مجرد مؤسسة إدارية، بل هي جزء من هوية العاصمة وتاريخها. تأسست رسمياً عام ١٨٦٨ في ظل الحكم العثماني، وكانت من أوائل البلديات في العالم العربي، مما جعلها تلعب دوراً محورياً في تنظيم شؤون المدينة. ومع الانتداب الفرنسي، شهدت بيروت تطوراً عمرانياً ملحوظاً، حيث تم وضع مخططات حديثة عززت بنيتها التحتية، ومع الاستقلال عام ١٩٤٣، واصلت البلدية عملها في توسعة الطرق، تحديث المرافق العامة، وإطلاق مشاريع تنموية عززت مكانة المدينة كعاصمة نابضة بالحياة.
لكن هذا التطور لم يكن دائماً سلساً، فبيروت واجهت محطات صعبة، من الحرب الأهلية (١٩٧٥-١٩٩٠) التي دمرت أجزاء كبيرة من بنيتها التحتية، إلى التحديات الاقتصادية التي أعاقت تنفيذ العديد من المشاريع الإنمائية. ومع ذلك، ظلت البلدية تحاول النهوض وإعادة الإعمار، رغم غياب الاستقرار السياسي وتفاوت خطط التنمية.
اليوم، تقف بلدية بيروت أمام تحديات أكبر من أي وقت مضى. الأزمة المالية التي ضربت لبنان منذ ٢٠١٩ أثرت بشكل مباشر على قدرتها في تنفيذ المشاريع الأساسية، فقد انهارت قيمة العملة، وارتفعت تكاليف التشغيل، مما أدى إلى تراجع في الخدمات مثل صيانة الطرق، إدارة النفايات، والإنارة العامة. ومع انفجار مرفأ بيروت عام ٢٠٢٠، تفاقمت الأزمة، إذ تضررت أحياء كاملة، وأصبحت إعادة الإعمار عبئاً إضافياً وسط شح الموارد المالية.
ومع اقتراب عام ٢٠٢٦، تواجه بلدية بيروت مجموعة من التحديات التي تحتاج إلى حلول جذرية. أبرزها إيجاد مصادر تمويل بديلة عبر تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية، وتحسين إدارة الإيرادات البلدية لضمان استدامة المشاريع. كما أن تحديث البنية التحتية بات ضرورياً، سواء من خلال إعادة تأهيل الطرق أو تحسين شبكات الكهرباء والمياه، إلى جانب تطوير حلول لإدارة النفايات تعتمد على إعادة التدوير بدلاً من الحلول التقليدية المكلفة وغير المستدامة.
إلى جانب التحديات الاقتصادية، تحتاج البلدية إلى تعزيز الحوكمة والشفافية، فمحاربة الفساد وضمان إدارة فعالة للمشاريع يمكن أن يساهما في تحسين الخدمات وتخفيف العبء عن المواطنين. كما أن مواكبة التطورات التكنولوجية باتت ضرورية، حيث يمكن للتحول الرقمي أن يسهل تقديم الخدمات ويقلل من البيروقراطية التي تعيق الكثير من الإجراءات.
لا شك أن الأزمة المالية تركت أثراً كبيراً على التنمية في بيروت، لكنها ليست نهاية الطريق. النهوض من جديد يتطلب إرادة حقيقية، إدارة حكيمة للموارد، وشراكة فعلية بين القطاعين العام والخاص. بيروت تستحق أن تبقى مدينة نابضة بالحياة، رغم كل الصعوبات، وهذا يتطلب رؤية واضحة وعملاً جاداً لضمان مستقبل أفضل لعاصمتنا.