خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
إنتهت رحلة التوقع بأن إقرار الميزانية العامة للدولة في إسرائيل قد تؤدي إلى فرط عقد حكومة نتنياهو وحلها. لقد نجا نتنياهو من هذا القطوع من خلال إجراءات أدت الى جعل الحريديم يقترعون لصالح الميزانية وإلى جعل بن غفير يعود للحكومة وإلى جعل سموتريتش يلغي تهديده بالاستقالة من الحكومة؛ وكانت النتيجة أن الكنيست صوّت أمس لصالح تمرير الميزانية بـ٦٦ صوتاً مع و٥٢ صوتاً ضد.
واللافت هو أن هناك معطيات أساسية في الميزانية يمكن من خلال التركيز عليها فهم خلفيات ما هو قائم حالياً في إسرائيل وما هو متوقع حدوثه فيها أقله حتى فترة عام ونصف من الآن وهي عمر الميزانية:
المعطى الأول يقول ان حجم الميزانية العامة للدولة الإسرائيلية للعام ٢٠٢٥ بلغ ٦٢٠ مليار شيكل أي ما يعادل ٢٠٠ مليار دولار..
الخلفية السياسية التي يمكن استنتاجها من هذا الرقم عن حجم ميزانية ٢٠٢٥ يقول التالي: هذه الميزانية هي أكبر ميزانية في تاريخ إسرائيل.
المعطى الثاني يقع في ما قاله وزير المالية سموتيريتس نفسه عن هذه الميزانية، حيث وصفها بأنها “ميزانية حرب”.. ويعني هذا سياسياً أن هذه الميزانية ستقوم بالصرف على الحرب طوال عام أو حتى عام ونصف؛ ما يعني أن التصور العام لتل أبيب هو أن الحرب ستستمر لغاية ٢٠٢٦.
المعطى الثالث موجود في الرقم الذي يقول أن ٥٠٠ مليار شيكل من أصل الميزانية رصدت لترضي القواعد الاجتماعية للأحزاب التي يتكون منها ائتلاف حكومة نتنياهو.. وهذا يعني أن الميزانية هي ليس فقط لدعم مجهود استمرار الحرب بل أيضاً لدعم القاعدة الاجتماعية الإسرائيلية التي تؤيد استمرار الحرب وتؤيد طريقة إدارة نتنياهو وقوى اليمين المتطرف للحرب.
المعطى الرابع يفيد بأن من بين الفئات التي حصلت على حصة كبيرة من الميزانية هم الحريديم الذين صوتوا لصالح الميزانية، ولو أنهم حجبوا أصواتهم فكانت حكومة نتنياهو معرضة للسقوط.
بعد إقرار الميزانية وقف أحد نواب الحريديم في الكنيست وقال: يجب أن يفهم الجميع أنه لولا دعاء وصلاة الحريديم لن تبقى دولة إسرائيل.
.. بمقابل أن القواعد الاجتماعية لأحزاب اليمين والحريديم هم المستفيدون من الميزانية فإن من سيدفع ثمن تحمل ضغوطاتها هو دافع الضرائب غير اليميني المتطرف؛ والقوى الأكثر نشاطاً في مجتمع الإنتاج الإسرائيلي..
وهذا الوضع رسم معادلات صادمة وغير مفهومة: مثلاً فيما سموتريتش يقول ان هذه الميزانية هي ميزانية حرب فإن الحكومة تعطي حصة وزانة منها للحريديم الذين لا يخدمون لا في الجيش ولا في الاقتصاد المنتج.
وهناك مثل آخر: في حين أن القوى غير المنتجة (الحريديم) تنال حصة أكبر من الميزانية فإن القوى المنتجة مطلوب منها أن تتحمل وحدها دفع الضرائب التي زادت في هذه الميزانية بنسبة ملحوظة.
المعطى الخامس يلحظ أن الميزانية فرضت مزيداً من الضرائب، ورفعت بعضها، كما زادت أسعار الكهرباء والمواد الغذائية الأساسية وأسعار الخدمات البلدية؛ ما يؤدي إلى إرهاق المجموعات المنتجة وخاصة في مجالات التكنولوجيا العالية وغيرها.
السؤال الأهم هنا هو كيف ستؤثر هذه الميزانية المتناقضة في أرقامها وأهدافها على الوضع السياسي الداخلي الإسرائيلي: هل ستزيد من الاحتجاجات الشعبية الموجودة أصلاً في الشارع حتى منذ ما قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؛ وهل ممكن أن تؤدي هذه الاحتجاجات فيما لو تأججت أكثر إلى إسقاط الحكومة..
معظم التقديرات تفيد بأن هذه الاحتجاجات ستزيد من التعبير عن وجود إحباط عام ولكنها لن تكفي لإحداث تغيير.
وهناك على الأغلب واحد من سيناريوهين إثنين متوقعي الحدوث داخل إسرائيل:
الأول أن يصل المجتمع الإسرائيلي إلى مرحلة متقدمة من الإحباط واليأس من التغيير؛ فتزداد نسبة الإسرائيليين الذين باتوا يروا أن خيار الهجرة هو الحل؛ فيما الباقون سيفضلون البقاء جالسين في بيوتهم ليشاهدوا كيف تتسرب الدولة من بين أيديهم لتتحول إلى دولة ديكتاتورية.
السيناريو الثاني هو أن يتجمع ٦١ نائباً عن طريق أن يقوم نواب من أحزاب ائتلاف حكومة نتنياهو بالخروج منها وانضمامهم لمعارضة تقوم بحجب الثقة عن حكومة نتنياهو.
.. هذا السيناريو موجود ولكن لا توجد آلية عملية لتنفيذه..
الأغلب أن غزة ولبنان وسورية وربما إيران ستبقى ساحات ضغط عسكري إسرائيلي بحسب ما تشي خلفيات أرقام ميزانية إسرائيل للعام ٢٠٢٥.