خاص الهديل…
قهرمان مصطفى…
منذ عقود، وبنيامين نتنياهو هو اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي الإسرائيلي، متقناً بذلك لعبة البقاء في السلطة عبر توظيف الأزمات وتعزيز سياسات التطرف. واليوم، مع استئناف الحرب الدامية على قطاع غزة، تتعالى الأصوات بأن قراره هذا لا ينطلق من ضرورات عسكرية، بل من حسابات سياسية ضيقة تهدف إلى ترسيخ موقعه في الحكم، خاصةً في ظل حاجته الملحة لتمرير الميزانية العامة قبل نهاية شهر مارس؛ لكن هل هذا هو السبب الوحيد؟ أم أن نتنياهو كان دائما وفياً لمنهجه الصلب منذ ظهوره الأول على الساحة السياسية؟
يخطئ من يظن أن سياسات نتنياهو وليدة اللحظة أو أنها مجرد أدوات لحماية حكومته من السقوط؛ فالرجل، منذ بداياته في الثمانينات، ظهر كسياسي يميني متشدد، وازداد تطرفاً بمرور الوقت.. وبينما يميل معظم المحللين الإسرائيليين إلى إرجاع سياساته إلى ظروف مرحلية، فإن حقيقة الأمر تكمن في بنية عقيدته السياسية التي ترفض أي تسوية، وتعتمد على تأجيج التوترات لإحكام قبضته على الحكم.
وضمن هذا السياق ركّز الإعلام الإسرائيلي بذلك على شخصنة الأحداث، متجاهلاً التحليل العميق للسياسات والأيديولوجيات التي تحرك نتنياهو.. فرغم وجود قلة من الكتاب الإسرائيليين الذين يخرجون عن السردية السائدة، فإنهم يظلون على هامش المشهد السياسي والإعلامي، دون تأثير يذكر على الرأي العام.
وبالرجوع إلى بدايات الرجل اليميني، برز نتنياهو في الساحة السياسية في ظل حكم الليكود، حيث تولّى مناصب دبلوماسية وتشريعية، قبل أن يصبح رئيساً للحزب عام 1993؛ ومع وصوله إلى رئاسة الحكومة عام 1996، كان واضحاً أن هدفه الرئيسي هو تقويض اتفاقيات أوسلو، رغم كل الانتقادات التي وجهت لهذه الاتفاقيات من أطراف مختلفة، إلا أن محاولاته اصطدمت حينها بنظام حكم مؤسساتي وحزب ليكود لا يزال يضم أصواتاً متنوعة.
لكن بعد عودته إلى الحكم عام 2009، وجد بيئة سياسية أكثر انسجاماً مع نهجه، خاصةً في ظل التغيرات العميقة التي عصفت بالمشهد الإسرائيلي، والتي جعلت الأصوات الأكثر تطرفا أكثر حضوراً وتأثيراً؛ فخلال عقد من الزمن، تمكّن نتنياهو من تعزيز التيارات اليمينية الاستيطانية المتشددة، وفتح الباب أمام شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لتكون جزءاً رئيسياً من المشهد الحاكم.
وعليه لم يكن خيار نتنياهو بالتحالف مع القوى الاستيطانية المتطرفة مجرد تكتيك انتخابي، بل كان استراتيجية لضمان قاعدة سياسية ثابتة.. فخلال الجولات الانتخابية الخمس الأخيرة، عمل جاهداً على توحيد أقصى اليمين الاستيطاني، بما في ذلك الجماعات التي وُصمت علناً بالإرهاب، ونجح في ذلك في انتخابات 2022، مما جعله أكثر ارتباطاً بهذه القوى التي باتت شريكاً رئيسياً في صنع القرار.
وعند النظر إلى سياسات نتنياهو، يتضح أنه لم يكن هناك فرق جوهري بينه وبين حلفائه الأكثر تطرفاً، فهو لم يسعَ إلى كبح جماحهم، بل منحهم الأدوات اللازمة لتعزيز نفوذهم داخل الدولة، الأمر الذي أسهم في تسريع عملية التحول نحو حكومة أكثر يمينيةً وتطرفاً.
إلى جانب تحديات الحكم، يواجه نتنياهو تهديداً آخر يتمثل في محاكمته بتهم الفساد، وهو أمر يثير قلقه أكثر من الرأي العام، الذي أثبت مراراً أنه غير مكترث كثيراً بمثل هذه القضايا؛ ومع ذلك، يدرك نتنياهو أن حكماً قضائياً قد يبعده عن المشهد السياسي تماماً خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يدفعه إلى محاولة توسيع قاعدته الحكومية لضمان بقائه في السلطة، أو على الأقل، لإيجاد مخرج آمن يجنبه أي سيناريو قد يضعف نفوذه.
في المحصلة، تبقى سياسات نتنياهو انعكاساً لعقيدته السياسية التي لم تتغير منذ ظهوره الأول؛ فالتحليل السطحي الذي يربط قراراته بأزمات آنية يحجب الرؤية عن الحقيقة الأعمق: وهي أن نتنياهو لم يكن يوماً إلا سياسياً متطرفاً، يسعى لضمان حكمه بأي وسيلة، حتى لو كان الثمن مزيداً من التصعيد والعنف.