خاص الهديل …
قهرمان مصطفى
في ظل التغيرات المتسارعة على الساحة الإقليمية والدولية، تشهد العلاقات الاستراتيجية والعسكرية تحولات جوهرية تعيد تشكيل موازين القوى؛ حيث تبرز التحركات الأمريكية في المياه الإقليمية، والتي تمثل أكبر حشد عسكري منذ حرب الخليج، كمؤشر على استعدادات تهدف إلى إعادة رسم النفوذ في الشرق الأوسط.
ويبقى السؤال: هل تسعى واشنطن لدعم عمليات محددة كالقضاء على الجماعات المسلحة مثل الحوثيين، أم أن الأمر مقدمة لمواجهة أوسع مع إيران عقب انتهاء المهلة النووية؟
المعطيات تشير إلى أن حجم الحشد العسكري يفوق ما يتطلبه التعامل مع تهديدات محلية، ما يعكس أبعاداً استراتيجية أوسع تتجاوز المواجهات المحدودة؛ وعليه فهذا الواقع يضع دول عدة في قلب المشهد، وسط ضغوط تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، خاصة مع محاولات فرض حلول للقضية الفلسطينية تتجاهل الحقوق التاريخية وتضغط على مصر والأردن لقبول سياسات التهجير القسري.
في غزة، تتصاعد موجات الغضب الشعبي ضد حماس، التي تسببت في تفاقم الأوضاع بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، وسط مطالبات بإنهاء الانقسام الداخلي واستعادة الوحدة الوطنية؛ ومن جهة اخرى تتنامى قناعة بأن بعض الفصائل المسلحة أضحت أدوات بيد قوى خارجية تستغلها لخلق الفوضى وإضعاف الدولة.
على الصعيد الأمريكي، تعكس السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتخبطة آثاراً داخلية عميقة، حيث أدت النيوليبرالية إلى تضخم وأسعار فائدة مرتفعة وتسريحات جماعية للموظفين. ومع صعود ترامب كرمز للمحافظة السياسية، تزايد الجدل حول مدى اتساق قراراته المفاجئة مع وعوده الانتخابية، ما عزز مناخ القلق والاضطراب داخل الأوساط الحاكمة.
أما إقليمياً، يشهد الشرق الأوسط اضطرابات ناجمة عن انهيار بعض الدول وصعود الجماعات المسلحة، ما أتاح لقوى إقليمية ودولية فرصاً لإعادة توزيع النفوذ؛ ويظهر ذلك في محاولات تقسيم جغرافيا سياسية جديدة بدول الشام والعراق، مما يزيد المشهد تعقيداً.
وفي هذا السياق، يبقى حجر الأساس في معادلة الاستقرار الإقليمي هو الدولة التي ترفض سياسيات التهجير القسري كمصر والأردن، حيث حافظت مصر على دورها التاريخي كداعم للقضايا العربية وضامن للأمن الإقليمي.
وفي خضم مايجري جنوباً يأتي انتصار الجيش السوداني ليثبت بأن قوة الدول تكمن في مؤسساتها وليس في الفوضى؛ فتحرير الخرطوم ليس مجرد حدث عسكري، بل تأكيد على أهمية الحفاظ على الهياكل الوطنية في وجه محاولات التفكيك.
ختاماً، تقف المنطقة أمام منعطف حاسم حيث تتشابك المصالح الدولية مع تطلعات الدول الوطنية، في معادلة جديدة قد تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط؛ الأمر يتطلب رؤية تحليلية عميقة لفهم موازين القوى واستشراف مستقبل يضمن الأمن والاستقرار الإقليمي.