خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لا يوجد توصيف منطقي للحالة التي يوجد فيها بنيامين نتنياهو داخل إسرائيل؛ فهو خلال الأيام الأخيرة واجه مصادفات غريبة وكل واحدة منها توحي بأن الرجل اقترب من السقوط السياسي المدوي؛ ولكن ما يحدث هو العكس؛ أي استمراره في السلطة وأيضاً في الهيمنة على السلطة.
رغم أن المحكمة العليا رفضت إقالته لرئيس الشاباك رون بار وقالت لا يوجد في القانون شيء يسمح لرئيس الحكومة بإقالة رئيس الشاباك لمجرد أن الأول لا يثق بالثاني، لكن نتنياهو رد على المحكمة بالقول أن إقالة بار قانوني.. ببساطة اعتبر نتنياهو أنه فوق المحكمة العليا وقراراتها. وبالأساس فإن نتنياهو قبل أن يدخل في حرب مع رئيس الشاباك، فهو حتى منذ ما قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ يخوض حرباً ضروساً ضد السلطة القضائية حيث يريد وضعها في جيب السلطة التنفيذية؛ ومؤخراً فتح نتنياهو النار على مفوضة الحكومة القضائية لأنها خالفته الرأي بقضايا ذات صلة بفتح تحقيقات حول المساءلة بالتقصير في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
غير أن مشاكل نتنياهو كما واجهها فوق مسرح وقائع الأسبوع الأخير، تداخلت لدرجة أنه كان يدلي بشهادته أمام المحكمة بخصوص قضايا فساد تخص عائلته؛ ولكنه قطع شهادته وقفز مسرعاً إلى مخفر ليدافع عن مساعديه اللذين تم إيقافهما لتلقيهما رشاوى من قطر.
وفي طريق عودته من المحكمة أو من المخفر تلقى خبراً عاجلاً هو تقديم سيموتريتش استقالته من الحكومة من دون مقدمات؛ والسبب هو اعتراضه على طمع بن غفير الذي يريد الحصول على مناصب أكثر داخل الحكومة. معروف أن حزبي بن غفير وسيموتريتس يحميان الحكومة من السقوط، وبالتالي لهما الفضل في بقاء نتنياهو رئيساً للحكومة ما يمنحه حصانة ضد دخوله السجن.
لم تنته المشاكل عند هذا الحد، ذلك أنه مع لحظة إنهاء شهادته في المحكمة ومع خروجه من المخفر، وفور وصوله إلى منزله وجد نتنياهو زوجته سارة تستقبله بمشكلة جديدة مفادها أن الضابط الذي عينه رئيساً للشاباك بدل بار يوجد صورة له وهو يشارك في تظاهرة ضد نتنياهو، ويوجد أيضاً تصريحاً له وهو يهاجم ترامب.. لم يكن مضى أكثر من ساعتين على تعيين الضابط المذكور في منصبه الجديد وذلك رغماً عن إرادة المحكمة العليا؛ ومع ذلك اضطر نتنياهو للحس قراره وأعلن إزاحة المسؤول الجديد عن رئاسة الشاباك؛ ما يعني أنه سيتعايش لفترة إيجاد ضابط جديد لهذا المنصب مع بار الرافض أساساً للاعتراف بقانونية قرار إقالته.
في خضم كل هذه المشاكل المتداخلة يقرر نتنياهو أن يصور فيديو بعرض فيه ما يحدث معه/ وله / وضده؛ فيقول في الفيديو أنهم يقاتلونني لكونني يميني ولا أريد أن تهزمني حماس..!!
نفس الطريقة في استدراج الشعبوية استعملها أول أيام عيد الفطر السعيد أردوغان الذي يواجه أيضاً داخل تركيا مشاكل تنوء تحتها الجبال، حيث قال إنهم ضدي لأنني إسلامي وهم علمانيون.
الفكرة الأساسية هنا هي أنه في إسرائيل لا يوجد تقدير واضح حول ما إذا كان نتنياهو يفتعل كل هذه المشاكل فوق رأسه كي يظل هو العنوان الأول في وسائل الإعلام وكي يحرف النظر عن مجازره في غزة والضفة؛ أم أنه فعلاً يواجه مشاكل كبيرة ومتداخلة ومع ذلك فهي لا تؤدي لإسقاطه أو لجعله يتراجع عن استمراره بحرب غزة وعن التشدد بموضوع التفاوض على إطلاق الأسرى؟؟
وفي غمرة أن نتنياهو يتلقى معلومة حاسمة من زوجته سارة بخصوص أن خياره لرئيس الشاباك لم يكن صائباً بل كان غبياً؛ فإن خبراً يرد داخل شبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية يقول أن الجماعة الاستيطانية التي دخلت لبنان قبل أسابيع، وأقامت خيمة لبعض الوقت كان على رأسها شقيق سارة نتنياهو!؟؟.
.. إلى ذلك لم تغزو منصات التواصل الاجتماعي أية أخبار جديدة عن يائير نجل نتنياهو المقيم مع قضائحه في الولايات المتحدة الأميركية؛ وبمقاييس إسرائيلية فإن غياب أخباره المثيرة لمدة أسبوع كامل؛ يعتبر بحد ذاته حدثاً داخل إسرائيل؛ ولعل أهم “خبرية” سابقة عنه هي أن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق كان منحه جواز سفر دبلوماسي؛ وكان يائير استلم جواز سفره هذا الممنوح له بطريقة غير مبررة قانونياً، بنفس اليوم الذي تلقى فيه ايزنكوت خبر مقتل نجله على جبهة غزة..
وبخلاصة سوريالية فإن نتنياهو يتحول في يومياته كلاعب سيرك حيث يتنقل بين محكمة تستجوبه ومخفر يطارده ويحقق مع مساعديه؛ وبين زوجته التي تخبره عن غبائه ونجله الذي يصدر له من أميركا الفضائح، الخ. ومع ذلك يظل نتنياهو الزعيم الإسرائيلي الذي لا يقود فقط حكومة إسرائيل بل يقود كل الحياة السياسية الإسرائيلية بكل تفاصيلها.. والحقيقة أن قصة السلطة مع نتنياهو هي واقعة غير مسبوقة وترسم سؤالاً عن ما إذا كان نتنياهو موهوباً فعلاً ويصنع ما يريده بدهاء، أم أنه مربكاً ومحاصراً ويهرب من سقوطه إلى الأمام؟؟.