خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
تريد إسرائيل أن ترسم خطوطاً حمراً لتركيا في سورية الجديدة؛ وهي بذلك تحاول أن تزرع علم هيمنتها ليس فقط على جبل أنقاض النفوذ الإيراني في سورية ولبنان وغزة بل أيضاً تحاول تحويل طموحات تركيا ونفوذها على سورية إلى جبل من الأنقاض، ترفع فوقه علم هيمنتها أيضاً.
غير أن هذا السلوك الإسرائيلي يدعو للكثير من التأمل به ولا يدعو بأي حال لاستغرابه؛ لماذا؟.
أولاً- لأن إسرائيل تعتبر أنه لولا رفع غطائها عن بقاء نظام الأسد ما كان ممكناً إسقاطه حتى لو اجتمع على تحقيق هذا الهدف كل من روسيا وتركيا؛ وعليه فإن الحصة الأكبر في سورية الجديدة يجب أن تكون لإسرائيل وليس لتركيا وبالطبع ليس لروسيا.
ثانياً- لأن تل أبيب تعتقد أنه لا يحق لتركيا أن تتفرد بصياغة علاقة استراتيجية تشاركية مع سورية من دون أن تنسق ذلك مع إسرائيل. وبكلام أوضح وأدق فإن إسرائيل تعتبر أنه يجب على تركيا أن تثق بأنها لا تستطيع رسم تواجد عسكري أو حتى اقتصادي استراتيجي مباشر لها في سورية من دون أن يكون لإسرائيل تواجد استراتيجي مماثل ومواز لها في سورية.
ثالثاً- من وجهة نظر إسرائيل قد يكون هناك تفكير يشبه ذاك الذي صاغته تل أبيب برعاية أميركية في لبنان مع سورية أيام حافظ الأسد: آنذاك وافقت تل أبيب على دخول سورية عسكرياً إلى لبنان بغطاء سياسي أميركي بمقابل دخول إسرائيل عسكرياً إلى منطقة الشريط الحدودي في جنوب لبنان بموافقة أميركية؛ ورسمت إسرائيل حينها خط الليطاني كمنطقة حزام يمنع على الجيش السوري تجاوزها جنوباً؛ وأيضاً وضعت إسرائيل فيتو على إدخال دمشق سلاح مضاد للطائرات إلى داخل لبنان..
ربما إسرائيل بأحسن حال سوف تقبل أن يكون بينها وبين تركيا في سورية برعاية أميركية نفس الاتفاق الذي كان بينها وبين سورية في لبنان برعاية أميركية في سبعينات القرن الماضي..
بطبيعة الحال لن تذهب تركيا في سورية إلى لحظة مواجهة مع إسرائيل؛ كما أن تل أبيب لا تريد من هجماتها على سورية أن تؤسس لبداية مواجهة مع تركيا بخصوص النظرة لمستقبل نفوذهما في سورية، بل تريد لهذه الهجمات أن تؤسس لبداية تفاهم معها حول مستقبل علاقتهما في سورية.
رابعاً- ثمة أمر آخر تريده تل أبيب وهو أن تتحول إلى جار طبيعي لسورية؛ بمعنى أن تصبح النظرة الدولية والإقليمية إلى الجوار السوري تلحظ وجود إسرائيل ليس كدولة لديها مشكلة احتلال وعداء مع سورية بل كدولة لها نفس ما لتركيا من علاقة طبيعية وتشاركية مع سورية.
واضح أن الصراع على سورية بين إسرائيل وتركيا سيمهد لوضع الحالة السورية على طاولة تفاوض دولي بشأنها وذلك بين أربع جهات: تركيا وروسيا واسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. طبعاً ثمة حاجة لأن تكون السعودية أحد الموجودين حول طاولة نقاش مستقبل الحالة السورية ولكن الرياض ستفضل حتى إشعار آخر قد يكون طويلاً تجنب التواجد حول طاولة واحدة مع إسرائيل وذلك لأسباب كثيرة؛ وعليه فهي تفضل إبقاء الحوار الاحتوائي مع إدارة أحمد الشرع قائمة ضمن إطارها العربي وليس الإقليمي. ونفس الحال سينطبق على لبنان الذي قد لا يلحظ الإقليميون والدوليون الكبار أن هناك حاجة لأن يكون موجوداً على طاولة بحث مستقبل الوضع السوري فوق خارطة المنطقة وصراع الإقليميين غير العرب عليه؛ بل هناك حاجة لتسوية علاقة لبنان مع الإدارة السورية الجديدة ومع الوضع السوري الجديد تحت سقف العلاقة مع السعودية وبإشرافها.