خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
منذ برزت نتائج نكبة ال ٤٨ وسورية لم تعرف هدنة من مسلسل الانقلابات؛ وحدهم بيت الأسد، وبالأساس حافظ الأسد، أعطى سورية فترة حكم طويلة تحت لوائه، حتى قال البعض: سورية لم تهدأ لعبة الانقلابات على الحكم فيها، إلا عندما حكمها رجلان معاوية بن سفيان وحافظ بن سليمان الأسد.
منذ ٧٥ عاماً انقلب حسني الزعيم على النظام الذي كان قائماً في سورية وبدل أشخاصه وغير مجرى أحداث سورية؛ وظهر أن سبب ما حدث هو من تأثيرات حرب فلسطين على العالم العربي.
ثم كرّت سبحة انقلابات استقرت عام ١٩٦٣ بوصول البعث للحكم؛ ولكن هذا الأخير شهد بداخله انقلابات متتالية حتى وصل حافظ الأسد إلى قصر المهاجرين. واليوم يخرج سلفي سوري وينقلب على بيت الأسد ويبدل أشخاص الحكم ويغير مجرى أحداث سورية؛ ويقال أن ما حدث ويحدث في سورية هو بفعل تأثير حرب إسرائيل على غزة وحرب أميركا على إيران، على العالم العربي.
وهكذا تبدو سورية مرة جديدة بأنها استعادت دورها القديم القائم على أساس أن ما يحدث فيها له طابع أكبر منها.
وكما راقب المراقبون بعد ١٩٤٩ قصة هل/ وكيف سيتمكن حسني الزعيم من حكم سورية وقلب النظام بكل أشخاصه ومؤسساته؛ فإن المراقبين عام ١٩٦٣ وقفوا يراقبون هل/ وكيف البعث سيحكم سورية ويبدل النظام القائم بكل أشخاصه ومؤسساته؟؟؛ واليوم يسأل المراقبون هل/ وكيف سيحكم الشرع سورية ويبدل النظام القائم بكل أشخاصه ومؤسساته؟.. واستطراداً كيف/ وهل سينجح النظام الجديد بخاصة في تبديل دور سورية عربياً وإقليمياً ودولياً.
النظام السوري الحالي أمر مهم جداً؛ كما كان النظام السوري السابق والأسبق والسابق على الأسبق هو أمر مهم جداً؛ وأهمية كل واحد من هذه الأنظمة المتعاقبة على سورية تتأتى من أمر واحد وهو أنه في حال ذهاب أي نظام قائم في سورية، فإن ذلك سيتسبب في تغير أمور مصيرية كثيرة لا يمكن حصرها والأهم أنه لا يمكن المراهنة عليها.
من هنا خطر وخطورة ما يجري حالياً في سوريا (هذا توصيف قاله ميشال أبو جودة في تعقيبه على أحداث احتمالات حدوث تغيير نظام سورية عام ١٩٦٩)..
في الماضي – كما الآن – كان هناك سؤال يتم طرحه حينما يظهر أن نظام الحكم في سورية يدخل دائرة حدوث تجاذب إقليمي وداخلي عليه، ومفاده إلى أي مدى يبقى هذا التجاذب في إطار سلمي داخلي وإقليمي؟؟.
وزير خارجية إدارة ترامب شرح للكونغرس قبل أيام أنه في حال لم ندعم نظام حكم الشرع القائم بغض النظر عن الرأي به، فإن واشنطن تكون تغامر بنشوب حرب أهلية وفوضى في سورية.. وقبل سقوط الأسد كان عرب وغربيون يبررون عدم القطيعة مع نظام الأسد بسبب حاجتهم بقاء النظام القائم بغض النظر عن رأيهم به لأن ذهابه سيحدث تغييرات مصيرية خطرة ولا يمكن المراهنة عليها؛ وبينها احتمال وصول الجولاني والجهاديين الإسلاميين المتطرفين ومعهم الفوضى للحكم في سورية؛ وللمفارقة المفهومة فإنه الآن يقال الشيء وضده؛ يقال أن الفوضى يمنعها دعم نظام الشرع القائم الذي لم يعد إسمه الجولاني ولم يعد يعني وجوده أنه استبدال للأسد بالجهاديين.
والواقع أن كل هذا التحول والتحوير للفكرة مردها أمر واحد وهو أن أي نظام في سورية هو أمر بقائه مهم لأن ذهابه سيتسبب بتغييرات مصيرية أخطر ما فيها أنه لا يمكن حصرها ولا يمكن المراهنة عليها.

