الهديل

خاص الهديل: التزكية والتنافس والديموقراطية اللبنانية المترهلة..

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

يقول الفيلسوف الألماني هيغل أن الدولة تعبر عن حضور العقل في التاريخ، وحضور العقل في المجتمع؛ ووجود تغيب فيه الدولة يغيب فيه العقل..

معظم دول العالم الثالث يعاني من أزمة غياب الدولة بنسب مختلفة، وبحسب هيغل فإن وجوداً تغيب فيه الدولة يغيب فيه العقل. 

.. يتم الدلالة على “العقل في الدولة” عبر تداول السلطة؛ أي من خلال هذه العملية التي تنتجها الديموقراطية الناتجة عن تمثيل الشعب من خلال إرادة الشعب.

ببساطة المقصود هنا صناديق الاقتراع التي يتبارى فيها الناس حول ماذا يفضلون وماذا لا يفضلون. وحينما تغيب عملية البحث عن ما يفضله الشعب يسود بدلاً عنها الإيحاء بأن كل الشعب متفق على تفضيل أمر واحد؛ وعادة ما يجري إنتاج عملية أننا كلنا متشابهون ونفضل الشيء ذاته من خلال إغلاق صناديق الاقتراع؛ ونشر إشاعة التزكية أو الاستفتاء على شيء واحد لا يوجد بمقابله عملياً وفعلياً شيء ينافسه.. وهذه ممارسة يسود فيها وجود تغيب فيه الديموقراطية، وتغيب فيه الدولة التي تحمي تداول السلطة؛ ويغيب فيه بالنهاية “العقل” حسب مفهوم هيغل.

بمقابل عملية إقفال صناديق الاقتراع تحت مسمى التزكية يوجد أيضاً عملية إقفال مقنع لصناديق الاقتراع تحت مسمى استفتاء؛ ويوجد أيضاً إقفال الباب أمام كل فكرة الاقتراع تحت عنوان أن من نصبه الله حاكماً ليس بحاجة كي يأخذ رأي الناس به كما يحدث تحديداً داخل التنظيمات التكفيرية.

وبكل حال فإن الديموقراطية اللبنانية كما أنتجت آخر مشاهدها الانتخابات البلدية أدت إلى نتيجة واحدة ليست قليلة الأهمية وهي أنه تم إعادة وصل صلة الناس بانتخابات بلداتها بعد انقطاع طويل تم افتعال أسباب واهية له؛ ولكن بالتوازي لم تسفر هذه الانتخابات عن نتائج توحي بأن المجتمع يتغير باتجاه تحقيق أهدافه الإنمائية بدليل أن بلدياته انتخبتها أو عينتها بنسبة عالية منها القوى التي تمتهن السياسة من أجل السلطة والقوى التي تمارس الديموقراطية كمناسبة لتأكيد نسب الأحجام وليس نوعية المهام. 

الرئيس سليم الحص كان يقول في لبنان حرية وليس ديموقراطية؛ والآن يتضح أن الديموقراطية اللبنانية تترهل والسبب في ذلك أن أحزاب الطوائف تخطف قانونها الانتخابي وتفصله على مقاس تحقيق هدفها التسلطي وتحويل الانتخابات من مناسبة تعبر عن وجود العقل في الدولة ووجود العقل في المجتمع، إلى مناسبة ينطبق عليها قول هيغل عن أن وجوداً تغيب عنه الديموقراطية يغيب عنه العقل.

Exit mobile version