الهديل

خاص الهديل: مهمة براك تراوح بين مصطلحي “تعاون” أم “تفاوض”!!

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

تحدث توماس براك ليلة أمس عن والده الذي هاجر لأرض الفرص (أي أميركا)؛ وعن الجانب اللبناني الذي يقيم داخل تجربته العصامية الناجحة، وقال أن أكثر ما يخيفه هو خيبة الأمل..

داخل هيبة أنه ممثل لأكبر دولة في العالم وأنه يحظى بثقة أقوى رئيس على الأرض أغرب نواحي قوته أنه لا يمكن توقع سلوكه؛ وأنه يسير قلق الدول إلى جانبه كلما انتقل من مكان إلى مكان.. داخل كل هذه الهالة يوجد لبراك أيضاً هالة قصة المهاجر اللبناني العصامي التي لا تقل أهمية عن هالة ترامب الذي لا يحب المهاجر من العالم الثالث إلى أرض الفرص. 

.. وبكل حال هذه قصة أخرى يصح تأجيل الكلام عنها لوقت آخر؛ خاصة وأن الوقت الراهن هو مخصص حصراً للحديث عن مهمة براك وعن موقعه الأميركي، وليس عن تاريخ المهاجر اللبناني الذي يسير إلى جانبه كظله؛ ويضيء مساحة توهج الالتماع داخل عينيه حتى لم يشعر براك ذاته بذلك.

والواقع أنه بعد ساعة من الاستماع لبراك “ابن البلد” العائد من هجرة طويلة أخذ خلالها جنسية البلد الذي هاجر والده إليه؛ يمكن لأي لبناني أن يخرج بانطباع سياسي أساسي مفاده أن هناك فرقاً كبيراً بينه وبين أورتاغوس المبعوثة الأميركية السابقة للبنان.

يقع الفرق في نقطة أساسية ومهمة؛ مفادها أن أورتاغوس كانت تأتي وفي يدها إنذار للبنان، بينما براك أتى وفي يده مقترح ووجهة نظر أميركية تصح لأن تصبح خارطة طريق للوصول لآلية محددة؛ لأنه من وجهة نظر براك لا يوجد طريق آخر سوى القبول بالحل الأميركي؛ ولكن هذه المرة عبر التعاون على طريقة براك، وليس عبر الإنذار على طريقة أورتاغوس..

ربما أهمية براك أو جديده قياساً بقديم أورتاغوس هو أنه يقترح تعاون للوصول لحل؛ مع التشديد هنا أنه يقترح تعاون وليس تفاوض. والفرق واضح وواسع بين المصطلحين: تفاوض تعني مقايضة مفتوحة على تقبل الخيارات المختلفة؛ أما تعاون فيعني التالي: أنا أساعدك على تحقيق الهدف الذي نريد معاً الوصول إليه.

براك موجود ليس من أجل التفاوص على سحب سلاح حزب الله؛ بل من أجل التعاون لسحب سلاح حزب الله، ومن أجل التعاون لترسيم الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ومع سورية؛ الخ..

السؤال هو كيف يتعاون لبنان مع براك؟؟. واستدراكاً هل تم التوصل لخطة تعاون؟؟.. وأبعد من ذلك، هل يمكن أن يفيد مصطلح التعاون لتنفيذ الحل؛ أم أنه مطلوب استبداله بمصطلح التفاوض لانتاج حل؟.

هذه الأسئلة مطروحة من تلقاء ذاتها، ولكنه لا يتم التوقف عندها؛ ربما لأن هناك قناعة عند الدولة اللبنانية بأنه يجب القبول بالإطار العام الذي تضعه الولايات المتحدة الأميركية لمهمة مبعوثها براك في لبنان؛ وعدم “تطفيشه” من خلال إضافة مشاكل شكلية على المشاكل الجوهرية الموجودة أصلاً.

.. ولكن الحق يقال أن التدقيق بين مسألة “تفاوض من أجل الوصول لحل” وبين “التعاون من أجل تنفيذ الحل” هو أمر يستحق النقاش – ولو للحظة – داخل عملية أخذ الردود والرد على الردود.

لماذا؟.

.. لأن طبيعة مهمة براك فيها جزءان إثنان: الجزء الأول لبناني – أميركي والجزء الثاني ولو لم يبرز بعد هو أميركي – إقليمي.

أيضاً لماذا نتكلم عن وجود جزئين إثنين في هذه العملية؟.

ببساطة لأن سلاح حزب الله يوجد فيه بعد لبنان؛ ولكن البعد الإقليمي فيه ضخم جداً وذلك لدرجة أنه يمكن القول أن ترسانة حزب الله العسكرية مكونه من ترسانة خفيفة وهي لبنانية وترسانة بالستية ثقيلة وهي إقليمية؛ وقرار استخدامها إقليمي وبالتحديد إيراني.

وإذا كان براك يريد التعاون مع لبنان لتنفيذ الهدف وهو سحب السلاح؛ فربما بالمقابل سيكون مضطراً في وقت ما؛ للتفاوض مع إيران للوصول لحل بخصوص الهدف؛ أي سلاح الحزب الثقيل. قد يكون هذا العامل هو أحد المعارك المقبلة التي ستنسب على خط تماس الغرق السياسي بين مصطلحي “تفاوض” و”تعاون.”

واضح أن واشنطن آخر شيء ترغبه حتى هذه اللحظة هو فتح بازار مع إيران في لبنان؛ وربما كانت طهران لديها مصلحة في هذا الظرف بخاصة بأن تفاوض مع واشنطن بشأن لبنان؛ والسبب بذلك هو أنه مجرد أن تفاوض أميركا مع إيران بشأن الهدف عينه الموجود في لبنان (سلاح الحزب)؛ فإن هذا سيمثل اعترافاً من إدارة بايدن بأن نتنياهو لم ينجح بتحقيق النصر المطلق والكامل على النفوذ الإيراني في الإقليم وتحديداً في مساحة ما كان يسمى سابقاً ولو إصطلاحاً “بالهلال الشيعي”. مرة أخرى حتى هذه اللحظة فإن أميركا تريد التشدد في القول أن مبعوثها براك “يعاون” لبنان لتحقيق الهدف؛ وليس “يفاوض لبنان” لتحقيقه؛ وهذا المنطق يريد الوصول للقول أن أميركا لا تفاوض إيران حول أي أمر لا في لبنان ولا في سورية، لأنها لا تريد أن تعترف بأنه بقي لها أي نفوذ في هذين البلدين.

ما تقدم هو سؤال يصح طرحه؛ وليس إجابة يمكن استخلاص نتائج منها؛ ذلك أن مصطلح “التعاون” ربما من جهة يمثل محاولة موفقة أو متفاءلة لتسهيل ملف معقد؛ ولكنه (أي مصطلح التعاون) يمثل من جهة أخرى طرحاً لسؤال معقد، وهو هل يمكن أن ينفع السهل الممتنع مع ذخائر صاروخية يراد سحبها علماً أن هذه الذخائر الصاروخية يوجد لها صاعقي تفجير وصاعقي إطلاق محلي وإقليمي، وليس صاعقاً واحداً!!.

Exit mobile version