خاص الهديل…

منذ اندلاع الأزمة المالية في لبنان أواخر عام 2019، كان المودع هو الطرف الأضعف الذي يتحمّل تبعات فشل المنظومة برمّتها. ومع كل قرار أو تعميم جديد، كانت تتأكد هذه الحقيقة أكثر.
فبعض المصارف، رغم القيود، حاولت أن “تُرَقّع” المشهد بشيء من التسهيلات: إذ كانت تسمح لبعض عملائها باستخدام بطاقة “الفيزا كارد” بالدولار خارج لبنان بمبالغ بسيطة تكفي على الأقل لدفع فواتير فنادق أو مطاعم عند السفر.
هذا الترتيب، على ضآلته، ظلّ قائماً بطريقة أو بأخرى منذ سنوات، كمتنفس صغير في نفق مصرفي مظلم؛ إلى أن جاء القرار الأخير الذي صعق الجميع: التعميم رقم 169 الصادر عن مصرف لبنان مطلع تموز الجاري.
وبحسب هذا التعميم، يُطلب من جميع المصارف الامتناع عن تسديد أي مبالغ بالدولار الأميركي من الحسابات التي تكوّنت قبل 17 تشرين الثاني 2019، أو تلك التي تجاوزت السقوف المحددة بعد هذا التاريخ، إلا بعد الحصول على موافقة خطيّة من مصرف لبنان نفسه.
السؤال المشروع هنا:
ما فائدة هذا التعميم؟ وما مغزاه الحقيقي؟
لماذا هذا الإصرار على التضييق على المودعين أكثر مما هم فيه؟ أليس هؤلاء أصحاب أموال جُمدت قسراً؟
هل يُعقل أن “يبخل” المصرف المركزي بمبلغ بسيط يُخصّص للمودع، وهو الأحق به؟ أي منطق يقف خلف هذا الحصار المالي المُستجد؟
إننا أمام واقع يُلقي بكلفة الانهيار على الناس، في حين أن مصرف لبنان نفسه هو من أغرق الدولة بالديون، ولم يعرف كيف يستردها، ثم يعود اليوم ليُجبر المصارف على سلوك طريق القهر بحق المودعين.
هذا التعميم، وما سبقه من سلسلة تعاميم مرتجلة، سيؤدي حتماً إلى ردات فعل شعبية لن تكون في مصلحة أحد. فهل من مصلحة المصرف الاستمرار في استفزاز أصحاب الودائع؟ وهل المطلوب إخراجهم عن صمتهم عبر “تعاميم ظلم” تتوالى كأنها جزء من خطة ممنهجة لتبخير الودائع بالكامل؟
ثم، من المستفيد من هذا القرار؟ ومن يقف خلفه؟
نتمنى من حاكم مصرف لبنان السيد كريم سعيد أن يعيد النظر في هذا القرار، وأن يسمع نبض الشارع، ونبض من وثقوا بمصارفهم ونظامهم المالي.. فإذا كان لا بدّ من علاج، فليكن على قدر من العدالة، لا على حساب من دُفن حقه تحت ركام التبريرات.
في النهاية، يا مودع، الله يعينك على هذا الزمن الرديء، ويا مواطن، لا تنسَ أن لك الحق الأول، لكنك آخر من يُسأل!
وكأنك يا مودع لم تودِعْ.. وكأنهم ما أخذوا شيئاً!
ظلمٌ تكسّر فوق رأسك ألف مرّة، ومصرفك يسأل: هل من مزيد؟

