خاص الهديل:
اجتماع أمني دولي في واشنطن: تحالف عالمي لتفكيك شبكات حزب الله أمنياً ومالياً
بقلم: محمد عفيفي
في خطوة تعكس حجم القلق الدولي المتزايد من نشاط حزب الله خارج الحدود اللبنانية، عُقد في واشنطن خلال الأيام الماضية اجتماع أمني دولي رفيع المستوى، جمع مسؤولين أمنيين واستخباراتيين من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، أستراليا، إضافة إلى ممثلين عن عدد من الدول الخليجية.
الاجتماع، الذي جاء بدعوة مباشرة من الإدارة الأميركية، يهدف إلى إطلاق خطة دولية متكاملة لمكافحة حزب الله ليس فقط كجماعة مسلحة في لبنان، بل كمنظمة عابرة للحدود، تنشط في مجالات التهريب، غسيل الأموال، تجارة المخدرات، والتمويل غير المشروع.
السياق الإقليمي والدولي: لحظة ضعف نادرة
تأتي هذه التحركات في توقيت حساس، بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل التي كبّدت الحزب خسائر بشرية وعسكرية كبيرة، وضربت أجزاء واسعة من بنيته التحتية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. كما أن مقتل حسن نصرالله في غارة إسرائيلية في سبتمبر 2024، وما تلاه من انتقال القيادة إلى نعيم قاسم، أضعف الحزب سياسياً وجماهيرياً في الداخل اللبناني.
من ناحية أخرى، تعاني إيران – الداعم الأساسي للحزب – من أزمات داخلية متفاقمة، وضغوط اقتصادية وعقوبات دولية خانقة، ما جعل قدرتها على دعم الحزب مالياً وعسكرياً محدودة أكثر من أي وقت مضى.
محاور التحرك الدولي:
أولاً: توسيع العقوبات المالية
الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يخططون لتوسيع العقوبات ضد شخصيات ومؤسسات مرتبطة بالحزب حول العالم. التركيز الأساسي سيكون على:
شبكات غسيل الأموال في أميركا اللاتينية (خاصة فنزويلا والبرازيل).
تجارة الماس والذهب في أفريقيا (غينيا وسيراليون).
شركات واجهة تعمل في قطاعات البناء والاتصالات والتجارة.
جمعيات خيرية ومؤسسات تعليمية تستخدم غطاءً لتمويل الحزب.
ثانياً: تضييق الخناق الاستخباراتي
تم الاتفاق على تشكيل غرفة عمليات استخباراتية مشتركة، هدفها مراقبة تحركات عناصر الحزب في أوروبا، وأميركا الجنوبية، وأفريقيا، حيث يمتلك الحزب خلايا نشطة في مجتمعات المغتربين اللبنانيين، ويستخدمها في التهريب وتجنيد العملاء.
ثالثاً: التحرك القانوني والقضائي
سيتم إطلاق حملات قضائية في أوروبا وأميركا ضد المتعاونين مع الحزب، من خلال تفعيل قوانين مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، وتجميد أصولهم في البنوك الدولية.
رابعاً: الضغط على الدول الخليجية والعربية
حصل توافق مع عدد من الدول الخليجية لتشديد الرقابة على التحويلات المالية، ومنع أي محاولات لتأمين مصادر تمويل جديدة للحزب عبر الخليج. كما تم البحث في فرض قيود على سفر الأفراد المشتبه بعلاقتهم مع الحزب داخل هذه الدول.
خامساً: إضعاف الذراع الإعلامية والسياسية للحزب
ناقش الاجتماع سبل الحد من تأثير حزب الله في المحافل الدولية، ومنع قياداته من استخدام منظمات مجتمع مدني أو مؤسسات إعلامية كواجهة لتحركاتهم السياسية في أوروبا وأميركا.
الرسالة الأميركية: العالم لن ينتظر لبنان
المبعوث الأميركي الخاص، توماس باراك، الذي يقود الجهود الدبلوماسية في هذا الملف، أوضح بعبارات حاسمة أن المعركة مع حزب الله لم تعد شأناً إقليمياً يخص لبنان وحده أو حتى المنطقة، بل أصبحت مسألة أمن دولي.
وقال باراك خلال الاجتماع:
إذا قررت الحكومة اللبنانية أن تبقى متفرجة، فالعالم لن ينتظرها. الدول الأخرى تتحرك بسرعة نحو الاستقرار والسلام، بينما لا يزال لبنان أسير ميليشيا تتغذى من معاناة شعبها.”
لكن السؤال لماذا الآن؟
تتلاقى عدة عوامل تجعل هذا الوقت مثالياً لتكثيف الضغط على حزب الله: منها الهزيمة، العسكرية الأخيرة التي أضعفت موقعه التفاوضي، الانكشاف المالي لإيران** التي تراجعت قدرتها على الدعم، انشغال الحزب بإعادة بناء قوته داخلياً**، ما يجعله أكثر هشاشة خارجياً، وأخيراً التغيرات الإقليمية بعد سلسلة من الاتفاقات الإبراهيمية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، والتي تعزل حزب الله أكثر فأكثر عن محيطه العربي.
هل ينجح التحرك الدولي؟
رغم جدية الخطط المطروحة، يدرك الجميع أن حزب الله لن يتخلى بسهولة عن مصادر قوته المالية والعسكرية. فالسلاح جزء من هويته العقائدية والسياسية. ومع ذلك، فإن الخطة الدولية تهدف إلى محاصرته تدريجياً، من خلال ضرب قدراته المالية أولاً، وتضييق الخناق الأمني والاستخباراتي عليه ثانياً، بانتظار أن تتبلور تسوية لبنانية داخلية تنزع عنه الغطاء السياسي الذي يحميه.
خلاصة المشهد لبنان يقف اليوم أمام مفترق طرق تاريخي. المجتمع الدولي بدأ فعلاً في معركة تجفيف منابع حزب الله حول العالم، ولن ينتظر إلى ما لا نهاية كي يتحرك لبنان داخلياً لنزع سلاحه. إما أن يختار اللبنانيون استعادة دولتهم ومؤسساتهم، أو أن يبقوا رهائن لصراع إقليمي لا نهاية له


