خاص الهديل…..
بقلم: ناصر شرارة
في وقت يدخل فيه قطاع غزة عصر الموت جوعاً تحت عيون الإعلام العالمي، يعلن الكنيست الإسرائيلي عن تبنيه قرار ضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني؛ ويعلن فيه ويتكوف مبعوث ترامب لمفاوضات وقف النار في غزة عن البحث عن طريق آخر غير التفاوض لإخراج “الرهائن الإسرائيليين” من أيدي حماس؛ ويعلن فيه الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعتزام باريس خلال جلسة الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ ويعلن فيه رئيس الحكومة البريطانية ستارمر معارضته الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولة.. فيما البيت الأبيض يسرب أنه ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية وأنه على بعد فترة زمنية قريبة من تأييد ضم الضفة الغربية لإسرائيل، الخ..
الصورة السالفة تقول أمراً واحداً هاماً جديداً وهو أن الفلسطيني لم يعد فقط يقتل بالسلاح الأميركي بل بات يقتل بسلاح تجويعه حتى الموت؛ وهذا سلاح تتم صناعته في معامل انعدام فعالية الضمير العالمي!!
كل العالم يشارك بشكل أو بآخر من خلال صمته على تجويع الفلسطيني، بمد إسرائيل بجسر جوي يوصل إليها ذخيرة السلاح الخامس؛ أي سلاح إيذاء الشعب الفلسطيني بالتجويع حتى الموت بغية تركيعه وإبادته وتجريده ليس فقط من حقوقه السياسية والمدنية بل من حقه بالبقاء حياً ولو برزق قليل..
.. ما يحدث منذ أسابيع هو أن إسرائيل اتجهت بقرار سياسي وبدعم من واشنطن بتطوير حرب إبادتها لغزة من خلال استعمال ما يسمى بـ”السلاح الخامس” ضد الفلسطينيين، وهو سلاح يصيب أهدافه بالموت جوعاً وبدم بارد.
والمقصود بالسلاح الخامس هو سلاح التجويع؛ على اعتبار أن هناك أربعة أسلحة معروفة تستخدم في الحروب وهي سلاح الطيران وسلاح البر وسلاح البحر وسلاح الاستخبارات والسيبراني، والسلاح الخامس الأكثر فتكاً وهو سلاح التجويع حتى الموت.
وفيما مصانع العالم الصناعي المتطور تنتج الأسلحة الأربعة وترسلها على شكل هبات لإسرائيل كي تستخدمها في حربها على غزة والضفة ولبنان وسورية واليمن، الخ… فإن سلاح التجويع يتم إنتاجه في مصانع الدول التي تمنح إسرائيل الغطاء السياسي والأخلاقي للاستمرار في قتل الفلسطيني هذه المرة بترسانة تجويعه وليس عبر قصفه بالقذائف والصواريخ.
لا شك أن استخدام سلاح التجويع هو جريمة حرب كاملة الأوصاف؛ ولكن في حرب غزة يتم تبريرها بأنها الوسيلة المتبقية “لتخليص الرهائن الإسرائيليين من ظلم اختطاف حماس لهم!!
ويقوم جزء كبير من العالم بشراء هذه المقولة رغم فداحة المقاربة التي تريد افتعال عدالة بين قضية أسرى محتجزين قيد التفاوض لاطلاقهم من جهة ومن جهة ثانية شعب يتم تجويعه حتى الموت أو حتى إرغامه على الموافقة على تهجيره من أرضه ومن فوق ركام بيوته.
ربما كان قرار الرئيس الفرنسي ماكرون بعزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفتح كوة داخل جدار صمت الموت الذي يعيش خلفه الفلسطينيون.. ومن ناحية الشكل ورغم فارق الاختلاف الأخلاقي والقانوني؛ يبدو تصريح ماكرون له من حيث الشكل – ومرة أخرى ليس من حيث الجوهر- منزلة أنه يصحح وعد بلفور الظالم؛ وهو الوعد الذي أعطى للحركة الصهيونية منذ أكثر من قرن حقاً لا يملكه لجهة لا تستحقه؛ وذلك على حساب حق يملكه الفلسطيني؛ وعليه تعد خطوة ماكرون مبادرة تحاول إعادة يعيد الحق لصاحبه، فيما موقف ستارمر يعتبر إصراراً على جعل بريطانيا تبدو وكأنها لا تزال تعيش في ظلمات عهود بلفور الوزير الاستعماري الذي يعطي من غير ملكه حقاً لجهة لا تستحقه..
والواقع أن أهمية قرار ماكرون يعود لعدة خلفيات هامة:
أولاً- لأن نكبة فلسطين هي صناعة أوروبية كون ما يصطلح على تسميته بـ”المسألة اليهودية” ولدت فصولها في أوروبا وتم جعل الشعب الفلسطيني يدفع ثمنها.
ثانياً- لأن القضية الفلسطينية تشكل في هذه اللحظة آخر واقعة احتلال في العالم؛ وعليه فإن تصفية الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين أو فوق جزء منها، سيشكل ولادة عالم جديد خال من أي احتلال.
قد يكون أمراً غاية في التعقيد أن يخرج الأمل الفلسطيني من بين طوابير الجائعين المدنيين الفلسطينيين الذين تحولت مراكز إطعامهم إلى مكائد موت بفعل أن إسرائيل تطلق النار على تجماعاتهم لتمنعهم من الحصول على طعام.
إن ماكرون يقود فكرة إقامة دولة للجائعين تعيدهم إلى إنسانيتهم وإلى علاقتهم بأرضهم وبتاريخهم وإلى حقهم بالوجود كمواطنين وليسوا كجائعين يعيشون في مصائد قتلهم خلال اجتيازهم مسافة تقصلهم عن الحصول على كسرة خبز.
