الهديل

خاص الهديل: واشنطن تعيد تموضعها: سوريا في الواجهة ولبنان على الهامش

خاص الهديل…

تشير الديناميات المتسارعة في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط إلى تحوّل نوعي في الأولويات، حيث بات الملف السوري يتقدّم بوضوح على حساب الملف اللبناني، الذي جرى التعامل معه مؤخراً كجزء ملحق بالتطورات السورية، لا كقضية مستقلة تستدعي اهتماماً مباشراً.

هذا التحوّل برز جلياً خلال زيارة الموفد الأميركي توم باراك إلى بيروت، حيث أظهرت تحركاته اهتماماً أكبر بما يجري على الأراضي السورية، لاسيما في الجنوب والشمال الشرقي، مع تسريبات عن تحضيرات أميركية-إسرائيلية لاجتماع يجري خلف الكواليس برعاية غير معلنة. ما يعني عملياً أن واشنطن باتت تقود مقاربة جديدة للمنطقة، تُعيد عبرها ترتيب خرائط النفوذ ضمن بيئة إقليمية متقلّبة.

في هذا السياق، تتحرك تركيا كلاعب أساسي في الساحة السورية، مستندة إلى مقاربة أمنية ترى أن أي كيان ذاتي في الجنوب أو الشمال الشرقي السوري يمثّل تهديداً مباشراً لأمنها القومي. ومن هنا، يمكن فهم الانخراط التركي النشط في وقف النار في السويداء، وسعي أنقرة لتفعيل قنوات أمنية مع دمشق، بما يعكس حرصها على منع تفكّك سوريا أو تحوّلها إلى منصّة نفوذ لقوى خارجية.

أما لبنان، فواقعُه مختلف كلياً؛ غياب القرار الموحد والانقسام السياسي الحاد أفقدا الدولة اللبنانية القدرة على التعامل الفعّال مع الطروحات الأميركية. فالاقتراحات التي قُدّمت بشأن حصر السلاح بيد الدولة، ووقف العمليات الإسرائيلية لفترة محددة، لم تلقَ تجاوباً، لا من واشنطن ولا من تل أبيب، التي ترى في هذه المبادرات تكرارًا لخطابات سابقة لم تغيّر من الواقع شيئًا.

يُضاف إلى ذلك مؤشّر خطير يتمثل بتراجع الدعم الأميركي لقوات “اليونيفيل” في الجنوب، في ظل ضغوط إسرائيلية، وتسريبات عن نية واشنطن تقليص مساهمتها المالية، وهو ما قد يفتح الباب أمام فراغ أمني خطير على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.

في المحصلة، يبدو أن المشهد الإقليمي يعاد تشكيله من دون لبنان. سوريا باتت الميدان الحاسم في رسم توازنات ما بعد الحرب، وتركيا تكرّس موقعها كفاعل ضامن للتوازنات، فيما بيروت تغرق في مأزقها الداخلي، وتفقد تدريجياً موقعها في حسابات القوى الدولية. وإذا استمر هذا المسار، فإن لبنان يواجه خطر التهميش الكامل، ليصبح مجرّد متلقٍ للنتائج بدل أن يكون شريكاً في صناعتها.

Exit mobile version