خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة
امتازت الساعات الـ٧٢ التي سبقت عقد جلسة الحكومة اليوم؛ بعدة وقائع ومؤشرات يتوجب التوقف عندها وسبر غورها وتحليل أبعادها وأهدافها:
المؤشر الأول هو محاولة خلق مناخات في لبنان تنقل كل المفردات الإعلامية والديموغرافية المحتربة التي حصلت خلال حرب السويداء المؤسفة إلى الواقع الداخلي اللبناني؛ ومعظم هذه المفردات الإعلامية والسياسية كانت مفتعلة ومنسوبة لمصادر وهمية؛ غير أن تعميمها ونشرها كان هدفه الواضح القول أن لبنان ذاهب للالتحاق بمشهد أحداث السويداء الإحترابي..
مثلاً تم استعمال مصطلح العشائر الذي استخدم في حرب السويداء من أجل “فزعة البدو”؛ وفي الحالة اللبنانية تم رسم صورة تقول أن “فزعة العشائر اللبنانية” هي لحماية رئيس الحكومة السني من الشارع المضاد له!!..
.. وبمقابل “فزعة العشائر” تم تسليط الضوء على “ممانعة مستخدمي الدراجات النارية” الذين هولوا بأن لهم سيادة بمقابل سيادة الدولة.
لا شك أن مجرد وجود مناخ يحاول نقل أجواء ما حدث ويحدث في السويداء ليطبقها على أحداث لبنان؛ وتحديداً على حدث “يوم الثلاثاء الكبير” هو أمر يجب التحسب له وقمعه والوقوف سياسياً ووطنياً بوجهه.
إن الفكرة التي يجب أن لا تغيب عن الأعين هي أن المنطقة ذاهبة انطلاقاً من الأحداث الجارية في سورية كي تذهب إلى البلقنة؛ أي إلى التشظي والتقسيم واحتراب الهويات فيها؛ وعليه فإن الرد على هذا الاتجاه العام الخطر، لا يكون إلا من خلال تقوية منطق الوحدة الوطنية حول الدولة التي يجب أن تصبح مشروع كل لبناني وكل المكونات الاجتماعية اللبنانية.
المؤشر الثاني هو إظهار أن النقاش في جلسة الثلاثاء الحكومية وفي الإعلام يتم تحت ضغط الخارج وذلك على نحو يريد أن يصور مجمل المشهد وكأن لبنان يتعرض لحملة غزو خارجية.
.. صحيح أن العالم يضغط على لبنان لحل ملف سلاح حزب الله؛ ولكن الصحيح أيضاً أن الوضع الداخلي المتردي في لبنان يضغط على البلد من أجل إنتاج حلول سريعة لمجمل المشاكل الأساسية المزمنة التي يعاني منها البلد، ومن ضمنها موضوع سلاح الحزب وأزمة الودائع والحقيقة لجريمة المرفأ، الخ..
وعليه يجب تغيير عنوان الأزمة من كونه “صراع الداخل اللبناني مع رغبات الخارج” (!!) إلى كونه “رغبات الداخل اللبناني في إصلاح وضعه”. بمعنى آخر يجب تغيير مناخ النقاش الداخلي ونقله من مزاج السلبية المطلقة إلى مناخ إيجابي وطني متكاتف..
المؤشر الثالث يتعلق بإسرائيل التي يتعامل إعلامها العبري مع التطورات اللبنانية وجلسة اليوم الحكومية؛ من خلال اتباع ثلاثة أساليب مختلفة ولكنها متناغمة ومتوازية: الأول الإصرار الإعلامي على فكرة أن إرادة حزب الله السياسية أقوى من إرادة الحكومة اللبنانية السياسية؛ وعليه لا يجب على المجتمع الدولي أن يراهن على نتائج مسعى الدولة اللبنانية لحل ملف سلاح حزب الله. الأسلوب الثاني هو تجاهل خبر جلسة الثلاثاء الحكومية وعدم التطرق للتطورات اللبنانية. وهذا التجاهل الإعلامي مقصود لإبقاء لبنان على لائحة التوقيتات الإسرائيلية حصراً وليس الدولية..
السيناريو الثالث هو التركيز على الحديث عن استمرار إسرائيل بمطاردة عناصر الحزب في منطقتي شمال وجنوب الليطاني، والإيحاء بأن مجمل الجبهة اللبنانية لا تزال مفتوحة.
لا شك أن لبنان يمر بمرحلة معقدة وصعبة، وأخطر ما فيها أن الحريق الإقليمي يحيط به من كل الاتجاهات، ما يجعل عملية إنقاذ حاله تحتاج لتضافر عوامل داخلية وخارجية؛ وهذه كلها عوامل غير متوفرة في هذه اللحظة التي يطلب فيها من لبنان إيجاد حل الآن وليس غداً.

