خاص الهديل…

قهرمان مصطفى
بينما تواصل الحرب الأوكرانية استنزاف الأطراف المنخرطة فيها، وتزيد من انقسام الساحة الدولية، تستعد ولاية ألاسكا الأميركية اليوم لاستضافة قمة استثنائية تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين؛ حدث دبلوماسي نادر، يثير اهتمام المراقبين لما قد يحمله من انعطافة في مسار الصراع أو مجرد توقف مؤقت على جليد الشمال البارد.
القمة تأتي في لحظة حساسة؛ فموسكو تمكنت من تثبيت نفوذها في شرق أوكرانيا، وحافظت على تماسك جبهتها الداخلية، وروّجت للقائها مع واشنطن كإنجاز يعكس عودة روسيا إلى واجهة القرار العالمي؛ فاختيار ألاسكا ليس صدفة، بل إنما يحمل دلالات تاريخية وجغرافية بالنسبة للذاكرة الروسية، ويمنح بوتين منصة لعرض نفسه كقائد قادر على فرض شروطه دون تقديم تنازلات جوهرية، خصوصاً فيما يتعلق بتثبيت المكاسب الميدانية وانتزاع ضمانات لحياد أوكرانيا.
في المقابل، يسعى ترامب إلى تحقيق اختراق سياسي سريع يمكن تسويقه انتخابياً كدليل على قدرته على إبرام الصفقات وإنهاء النزاعات.. فطرحه أفكاراً مثل تبادل الأراضي أو منح حكم ذاتي موسع لمناطق في شرق أوكرانيا يعكس براغماتيته، لكنه يثير قلق الحلفاء الأوروبيين الذين يخشون أن تأتي التسوية على حساب وحدة الأراضي الأوكرانية.
الملف الداخلي الأميركي لا يقل تعقيداً، إذ يواجه ترامب انتقادات من أطراف في الكونغرس والحزب الجمهوري ترى في أي تنازل لموسكو إضعافاً للموقف الأميركي وتشجيعاً لخصومه. أما الغائب الأكبر عن المشهد المعلن فهو أوكرانيا نفسها، ما يثير مقارنات تاريخية مع اتفاق ميونيخ 1938، حين قُرر مصير دول غائبة عن الطاولة.
بالنسبة لبوتين، المكاسب قد تتمثل في تثبيت السيطرة على الأراضي المحتلة، وضمان حياد كييف، وتفكيك وحدة الموقف الغربي، لكن الخسائر المحتملة تكمن في أي تنازل قد يُضعف صورة النصر الكامل داخلياً. أما ترامب، فقد يربح إنجازاً دبلوماسياً يقلل من كلفة الدعم العسكري لأوكرانيا، لكنه يخاطر بخسارة ثقة حلفائه وإنتاج سلام هش قابل للانهيار.
السيناريوهات المطروحة تتراوح بين اتفاق لتجميد الحرب مع وقف إطلاق النار وترتيبات إنسانية، أو فشل المفاوضات وما قد يتبعه من تصعيد، أو – في أضعف الاحتمالات – اتفاق شامل بضمانات دولية.
قمة ألاسكا ليست مجرد لقاء ثنائي بين الرئيسين ترامب وبوتين، بل اختبار لمدى قدرة القوى الكبرى على صياغة حلول لأزمات عابرة للقارات. وما سينتج عنها قد يرسم خريطة الأمن الأوروبي والتوازنات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية، فيما يبقى السؤال معلقاً: هل سيكون القادم سلاماً راسخاً أم مجرد استراحة مؤقتة قبل عودة الصراع؟

