الهديل

خاص الهديل: دمشق على طريق التحالفات المفاجئة

خاص الهديل …

تمرّ سوريا في مرحلة إعادة تموضع استراتيجي شديدة الحساسية، بعد التحولات الجذرية التي شهدتها البلاد بعد إسقاط النظام السابق وصعود إدارة جديدة برئاسة الرئيس السوري أحمد الشرع.

هذه الإدارة تجد نفسها في قلب شبكة معقدة من التحالفات والمصالح المتشابكة، حيث لم تعد سوريا مجرّد ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية فقط ، بل تحاول أن تتحول إلى طرف فاعل يسعى إلى إعادة صياغة موقعه في المعادلة الجيوسياسية.

وعليه فإن التحولات الأخيرة على خط العلاقات بين أذربيجان وتركيا وإسرائيل وسوريا تكشف عن ولادة محور جديد، أو على الأقل شبكة مصالح مشتركة، يمكن أن تعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة.

هذا المحور بدأ يتبلور من خلال ملفات الطاقة والسلاح، حيث دخلت شركة النفط الأذربيجانية “سوكار” إلى قطاع الغاز الإسرائيلي بحصة في حقل “تامار”، وهو ما أسس لعلاقة اقتصادية استراتيجية بين باكو وتل أبيب. لكن البعد الأهم بدأ يظهر حين ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع إلى جانب نظيره الأذري إلهام علييف في منتدى أنطاليا أبريل الماضي ، وهي صورة قرأها مراقبون كإشارة إلى فتح قنوات اتصال غير معلنة بين دمشق وتل أبيب عبر بوابة باكو.

بالنسبة لإيران، فإن رؤية هذا النمط من التعاون بين دمشق وأنقرة وباكو وتل أبيب ليست مجرد تطور عابر، بل تهديد مباشر لموقعها الإقليمي.

التقارير اللاحقة دعمت هذا التصور، إذ أشارت إلى أن أذربيجان استضافت لقاءات عسكرية تركية إسرائيلية ناقشت إدارة الأجواء والأراضي السورية في مرحلة ما بعد نظام الأسد، كما رعت قنوات اتصال بين مسؤولين سوريين ونظرائهم من المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. ولعل التطور الأهم الذي نقل العلاقة من مستوى الرمزية إلى التطبيق هو بدء ضخ الغاز الأذري إلى سوريا عبر الأراضي التركية، في خطوة جاءت بعد قمة سورية أذرية الشهر الماضي، كان من أبرز نتائجها الاتفاق على توريد الغاز للمساهمة في تخفيف أزمة الكهرباء الخانقة في البلاد.

لكن السؤال الأهم من منظور سوري داخلي هو: هل هذا التقارب مع إسرائيل، الذي تجري ملامحه في سياق أوسع من التعاون الإقليمي، يمكن أن يكون خياراً استراتيجياً دائماً لدمشق، أم أنه مجرد خطوة تكتيكية هدفها التعافي الاقتصادي واستعادة بعض التوازن في السياسة الخارجية؟ هناك من يرى أن سوريا قد تحذو حذو تركيا في المزج بين التعاون في أوقات السلم والمواجهة في أوقات الحرب، بحيث تستفيد من الفرص الاقتصادية والأمنية دون أن تتخلى عن أوراق الضغط في ملفات حساسة. هذا النموذج التركي قد يوفر لدمشق مساحة للمناورة، لكنه يتطلب قدرة عالية على إدارة التعقيدات والحفاظ على التوازن بين الأطراف المختلفة.

من جهة أخرى، فإن أي انفتاح سوري على إسرائيل لا يمكن قراءته بمعزل عن البيئة الإقليمية التي تشهد إعادة ترتيب أولويات، خاصة مع ميل بعض دول الطوق إلى البحث عن ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة تضمن الاستقرار على المدى القصير، ولو على حساب الملفات الخلافية طويلة الأمد. السؤال هنا: هل ترى إسرائيل في التمدد التركي شريكاً مرحلياً لمواجهة النفوذ الإيراني، أم أن ما يجري هو مناورة مؤقتة لضمان هدوء الجبهات تمهيداً لمواجهة جديدة في المستقبل؟ التجربة التاريخية تشير إلى أن تل أبيب تتعامل بحذر مع أي قوة إقليمية قادرة على لعب دور مستقل، لكنها في الوقت ذاته لا تتردد في استغلال أي فرصة لتقليص نفوذ خصومها، حتى لو كان ذلك يعني منح مساحة مؤقتة لشركاء محتملين مثل أنقرة ودمشق.

في المحصلة، فإن سوريا تقف أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تندمج بشكل كامل في محور إقليمي جديد يعيد رسم التوازنات في مواجهة إيران ويعيد تعريف علاقتها مع إسرائيل، أو أن تستخدم هذه المرحلة كجسر لإعادة بناء قوتها وموقعها، قبل أن تحدد خياراتها النهائية في لعبة معقدة لا تزال فصولها مفتوحة. وفي كلا الاحتمالين، فإن السنوات القادمة ستكون حاسمة في تحديد موقع دمشق في الخريطة الجديدة للمنطقة وفي الإجابة عن سؤال ما إذا كانت قد اختارت فعلاً سياسة التحالفات الدائمة، أم أنها ما زالت تراهن على المناورة كأداة أساسية لإدارة صراعها في الإقليم.

Exit mobile version