خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة
بين ٥ آب و ٥ أيلول هناك ليس فقط قصة مسار خلاف حصل داخل مجلس الوزراء بخصوص حصرية السلاح؛ بل في الحقيقة بين هذين الموعدين يوجد قصة بلد بكامله.
والواقع أن ملف حصرية السلاح هو الإسم الحركي لملف سحب سلاح المقاومة؛ وهذه التسمية الأخيرة هي الإسم الحركي لملف سلاح حزب الله الذي لديه بعدين إثنين غير خافيين: البعد الإقليمي الإيراني والبعد الداخلي الشيعي.
وما تقدم يضع مسألة ملف حزب الله ضمن إطار لا يمكن مقاربته بأسلوب لا يأخذ بالاعتبار وضع الثمن على طاولة بحث سلاح الحزب الذي أعطاه عدم انسحاب نتنياهو من التلال الخمس صفة سلاح المقاومة؛ وأعطته أحداث السويداء والساحل في سورية صفة أنه سلاح الشيعة؛ وأعطته مواقف واشنطن غير الضاغطة على تل أبيب صفة أنه سلاح يمكن إبقاؤه في ثلاجة الانتظار الداخلية حتى نرى ماذا ستفعل إدارة ترامب مع تعنت نتنياهو وماذا ستقدم القيادة الوسطى الأميركية من مساعدات للجيش اللبناني.
وكل هذه المعطيات تقود لإعادة تعريف هذا الملف ليصبح في هذه اللحظة له التسمية المركبة التالية: ملف سلاح المقاومة الذي هو أيضاً سلاح حزب الله وسلاح الشيعة وسلاح يمكنه الانتظار حتى إنهاء “التقييدات” حسب آخر وصف رسمي لبناني لتأثير تعنت نتنياهو وعدم صرامة ترامب بالضغط عليه على مجمل ملف تطبيق القرار ١٧٠١..
إن حكومة نواف سلام ناقص وزن “حكومة الثنائي الشيعي”، لا تستطيع حتى لو قررت تجاهل موقف حزب الله أن تتجاهل موقف دولة الرئيس نبيه بري؛ وذلك لغير سبب، بينها أن دولة بري كرئيس ثان، أقوى في هذه اللحظة مما يسميه البعض “دويلة حزب الله” كقوة داخلية وإقليمية؛ وثانياً لأن الرئيس بري هو رأس الموقف الشيعي؛ وهو من سيكون مربط الحل حينما يكون الوضع الدولي ناضجاً لإنتاج حل ليس فقط على نواف سلام بل أيضاً على بنيامين نتنياهو.
في العمق وبالسياسة وليس وفق منطق السجال السطحي؛ يمكن القول أن موقف نبيه بري في هذه اللحظة من مجمل ملف وضع لبنان مع إسرائيل وواشنطن، وبضمنه قضايا سلاح الحزب وإعادة الإعمار والانسحاب الإسرائيلي والمساعدات للجيش، الخ..؛ يشبه (أي موقف بري) لحد بعيد موقف الرئيس ياسر عرفات بعد حرب العام ١٩٨٢ وتحديداً بعد انتقاله لاحقاً من تونس إلى رام الله بعد أوسلو. والواقع أن الشبه المقصود هنا بين “الختيار” (الإسم المحبب عند الفلسطيني لعرفات) وبين “الأستاذ” (الإسم المحبب عند الشيعة لبري) يقع تحديداً في المرحلة التي تلت قيام اليمين الصهيوني باغتيال إسحق رابين حيث أدرك عرفات حينها أن إسرائيل قررت عدم الالتزام بما وقعت عليه في أوسلو برعاية واشنطن؛ فهي سوف لن تنسحب من مناطق التي حددت للسلطة الفلسطينية حسبما تعهدت في أوسلو؛ وسوف تجبر عرفات على قبول الاحتلال الإسرائيلي بوصفه أمراً واقعاً. آنذاك الختيار (عرفات) المجرب والعارف والمخضرم ابتدع استراتيجية “الباب الدوار”؛ ومؤداها مفاوضات وتصعيد بنفس الوقت؛ أي قيامه بإدخال حماس المقاومة من باب؛ وبعدها إدخال المفاوضين بمختلف مشاربهم من نفس الباب الذي يدور بهم جميعاً.. وكان عرفات عبر سياسة الباب الدوار يشتري وقت إسرائيل الرافض للالتزام بتعهدها؛ ويبقي ورقة حماس كمقاومة على الطاولة وأيضاً يبقي تمسكه بتوقيعه على حل الدولتين في أوسلو حياً.
..وحينها اشتكى الإسرائيلي من عرفات الذي وصفه بأنه يدخل حركة حماس من باب؛ ويخرج الإسرائيلي من باب؛ ويستقبل الأميركي من نفس الباب الذي يدور بالجميع؛ فلا يرى أحدهم الآخر حينما يدخل أو يخرج؛ فيما عرفات يشرف على لعبة إبقاء الحل على الطاولة؛ وبنفس الوقت إبقاء المقاومة في رصيده؛ وإبقاء العدوانية الإسرائيلية تدور بفراغ الباب الدوار.
.. أحياناً بل غالباً ما تكون السياسة في الدول العربية هي رد فعل على العدوانية الإسرائيلية؛ أقله محاولة احتواء هذه العدوانية بمقاومة الباب الدوار طالما أنه لا يمكن مقاومتها بالضغط الأميركي على تل أبيب ولا بالمدفع العربي أو اللبناني.
لا أحد يدري إلى متى سيبقى ليس فقط سلاح حزب الله بل كل المنطقة ومعها لبنان تتفاعل ضمن استراتيجية أو منطق الباب الدوار؛ وهل هذا الباب الذي كان استعمله عرفات لمواجهة مرحلة بداية صعود عدوانية نتنياهو على أنقاض اغتيال تسويات رابين؛ سوف يظل صالحاً وحتى الفترة اللازمة لشراء وقت احتمالات تصعيد نتنياهو الذي يقف على التلة الأعلى في جبل الشيخ.

