الهديل

خاص الهديل: ما هي خلفيات إسرائيل الايديولوجية وراء اعتدائها على الدوحة؟؟

خاص الهديل…

بقلم ناصر شرارة

يوجد في إسرائيل منذ سبعينات القرن الماضي عقيدة أمنية عسكرية ايديولوجية إسمها “لائحة ميونيخ”، ومفادها أن كل من ينفذ عملية عسكرية ضد إسرائيل ستطارده الموساد والشاباك وستقتله ولو بعد حين. أكثر من ذلك فبموجب عقيدة “لائحة ميونيخ” فإن مسؤولي الشاباك والموساد يتوارثون من جيل إلى جيل لائحة المطلوبين للقتل من قبل إسرائيل؛ فمثلاً في حال لم يتم اغتيال خليل حية المطلوب للموساد والشاباك خلال هذا العقد فإن مسؤولي هذين الجهازين اللذين سيكونان على رأسي هذين الجهازين بعد عقد أو أكثر سيكون واجباً عليهما إكمال مهمة اغتيال حية وإغلاق الحساب معه؛ وهكذا بالنسبة لكل من نفذ عملاً عسكرياً ضد إسرائيل.

والواقع أن عقيدة “لائحة ميونيخ” ظهرت بعد عملية ميونيخ التي استهدفت رياضيين إسرائيليين وذلك على زمن غولدا مائير؛ ولذلك فهذه العقيدة يطلق عليها أيضاً تسمية “عقيدة مائير..”.

الفكرة الرئيسة هنا ذات الصلة بقراءة جانب من خلفيات الاعتداء على الدوحة؛ يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات: 

المستوى الأول يتعلق بأن أجهزة المخابرات في إسرائيل تتوارث مهمة ملاحقة من يمس بها، وهذا يعني أن مؤسساتها الأمنية لديها ملفات اغتيالات مفتوحة بحق مطلوبين لإسرائيل يتم توارثها من جيل في قيادة هذه المؤسسات لجيل تالي وثالث، الخ.. ويظل الشخص المطلوب للمخابرات الإسرائيلية مطارداً حتى اغتياله ولو استمرت عملية مطاردته نصف قرن.

.. وعليه فإنه لا يوجد في إسرائيل مصطلح اسمه سقوط المهمة مع تقادم الزمن عليها؛ وهذا أبرز دليل على أن إسرائيل لا تتعامل بمنطق الدولة ولا بقانون الدولة، بل بمنطق الأخذ بالثأر كما تمارسه البيئات اللاحضرية.

المستوى الثاني الخاص بلائحة ميونيخ (أو لائحة مائير) يتصل بأصل نظرية الأمن المعتمدة في إسرائيل منذ ما قبل ابتداعها؛ أي منذ نشاط الحركة الصهيونية، حتى اليوم.. والمقصود هنا “نظرية الجدار الحديدي” التي صاغها جابوتنسكي في مقالة حبرها عام ١٩٢٣..

ورغم أن جابوتنسكي هو زعيم الاتجاه الإصلاحي اليميني داخل الحركة الصهيونية إلا أن نظريته الأمنية اعتمدها بعد “قيام إسرائيل” ليس فقط اليمين الإسرائيلي؛ بل أيضاً تيار المركز في إسرائيل (الوسط واليسار).

.. وتقول نظرية جابوتنسكي – من بين ما تقوله -: “ان على العرب أن يخافوا من إسرائيل التي تستعمل القوة المفرطة ضدهم من دون رادع؛ وأن على العرب أن يفهموا أيضاً أن إسرائيل ستقتلهم إذا طالبوا بحقهم أو بجزء من حقهم، رغم معرفتها أن العرب محقين بمطالبهم..”.

هذه الفقرة من نظرية جابوتنسكي ينفذها نتنياهو (ومعه جماعته) بالحرف؛ فهو يعرف أن واشنطن وتل أبيب والعالم تعهدوا بعدم المس بوجود قيادة حماس في قطر كون وجودها يخدم المسعى الدولي القائم (وبضمنه إسرائيل) لخدمة هدف وقف حرب غزة وإنجاز تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ ومع ذلك يتجاوز نتنياهو هذا التعهد الدولي والإسرائيلي ويقوم بالاعتداء على قطر تحت عنوان أنه يستهدف قيادة حماس ويستهدف أرض قطر الموجودة عليها.. وهنا نتنياهو يطبق تعليمات نظرية جابوتنسكي عبر إيصال رسالة للعرب تقول أنه لا يوجد تعهد دولي أو إقليمي يمنع إسرائيل من قتل واغتيال العربي المطلوب لها حتى لو كان يفاوضها وحتى لو كان موجوداً في بلد له سجل ناصع في التوسط لنقل المنطقة من حالة الفوضى إلى حالة الاستقرار.

المستوى الثالث الذي يشكل أيضاً جزءاً من الخلفيات التي تقف وراء عدوان إسرائيل على قطر؛ يتمثل بتطبيقات نظرية معتمدة عند نتنياهو وبن غفير وسيموتريتش وعنوانها “اقتل المفاوض”. وكل الهدف الإسرائيلي هنا يتلخص في أن حكومة أقصى اليمين في إسرائيل لا تريد في غزة تسوية مع حماس، بل تريد القضاء على حماس وتهجير غزة؛ ولا تريد في الضفة الغربية تسوية مع السلطة الفلسطينية بل تريد تفكيكها؛ وكذا الحال مع كل المنطقة؛ ذلك أن مشروع إسرائيل في المنطقة هو إضعاف دولها، حتى تتمكن من السيطرة على كل فضائها الجيوسياسي.

Exit mobile version