خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يوجد في لبنان تقويم شائع لما قد يحدث حتى نهاية العام، مفاده شبه قناعة بحصول اعتداء إسرائيلي واسع جديد سيكون هذه المرة أشد ضراوة.
اللافت أن هذا التقويم أو تقدير الموقف لما ينتظره لبنان، أو بخصوص ما ستفعله إسرائيل ضد لبنان – مدعومة أميركياً – هو تقدير للموقف يشترك بتبنيه حلفاء حزب الله وخصومه في آن؛ ويقول به معظم المتابعين تقريباً للوضع السياسي في لبنان!!
وخلال التدقيق بتقدير الموقف الشائع هذا، تتضح الملاحظات الأساسية التالية:
أولاً- تقدير الموقف حول حرب إسرائيلية قادمة حتماً على لبنان، لا يستند إلى معلومة مادية صلبة، بل إلى تحليل واقعي.
.. بمعنى أن هذه الحرب المتوقعة، ليست موجودة في إسرائيل كخطة للتنفيذ، بل كسيناريو محتمل جداً..
.. وعليه فالتقدير الصحيح أو الأكثر دقة هو الذي يقول أن مسار الأحداث داخل لبنان، وبين إسرائيل ولبنان، وفي الإقليم، يشي بأن سيناريو الحرب الإسرائيلية على لبنان محتمل بدرجة عالية؛ ولكنه ليس خطة موضوعة للتنفيذ بكل حال، وأنه لا تلغيها أية مستجدات من أي نوع كانت.
الملاحظة الثانية وهي استكمالاً للأولى تجيب عن سؤال أساس وهو لماذا يعتبر مراقبون – بخلاف البقية الأعم – أن الحرب الإسرائيلية هي سيناريو شديد الاحتمال وليس أمراً محتوماً؟؟.
.. لأن إسرائيل تعتبر أن مهمتها العسكرية في لبنان لم تنته بعد؛ فهي حسب خطابها المعلن تريد استكمال تدمير حزب الله، ولأن إسرائيل تريد القول أن الدولة اللبنانية لم تستطع تنفيذ القرار ١٧٠١ وهذا “يضطرها” لتنفيذه بنفسها وعبر القوة العسكرية.. ولكن هذا السيناريو قد لا يحدث، والسبب الذي قد يمنع حدوثه هو احتمال أن إسرائيل ستخرج من آخر مغامرة لها في قطاع غزة وهي الدخول عسكرياً لنقطة الثقل البشري فيه؛ وهي منهكة ما يجعلها تنتقل من “مرحلة الهجوم والمبادرة” التي هي فيها الآن إلى “مرحلة الاستكانة” بغرض تعويض الخسائر البشرية في الجيش واحتواء المراديد الاقتصادية والسياسية والإعلامية السلبية التي ستطالها نتيجة رد الفعل العالمي على مغامرتها الراهنة داخل مدينة غزة.
معروف أن المستوى العسكري في إسرائيل يحذر من الخطورة الكامنة في توريط الجيش بحرب في منطقة حضرية كثيفة السكان؛ فهذه الخطوة بالمفهوم العسكري هي حماقة لا يرتكبها إلا القادة الحمقى؛ ولكن نتنياهو يصر على فعل هذه الحماقة؛ مما اضطر حتى يسرائيل كاتس للاعتراف بأن اعتباره الوحيد في الحرب على مدينة غزة هو الحفاظ على حياة الجنود!!
بحسب كل المفاهيم العسكرية فإن نتنياهو يدفع بالجيش الإسرائيلي للدخول إلى مستنقع مدينة غزة؛ حيث هناك سيلاقي المصير نفسه الذي لاقاه أي جيش في العالم دخل مناطق مأهولة بالسكان كي يفرض أمراً واقعاً عليها.
.. وهذه القناعة عن أن الجيش الإسرائيلي سيخرج من مغامرة مدينة غزة وهو منهك وبحاجة لفترة سكينة، هي التي تجعل مراقبين يتوقعون أن إسرائيل بعد انتهائها من مغامرة احتلال ٩٠ بالمئة من مدينة غزة، سوف تجد نفسها في مرحلة تعويض الإنهاك العسكري وليس في مرحلة استئناف المبادرة العسكرية؛ وستجد نفسها أيضاً في مرحلة احتواء النتائج الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية وليس مواجهتها.
وقصارى القول هنا أنه يوجد توقع في أوساط معينة يفيد بأن إسرائيل بعد مغامرة احتلال مدينة غزة؛ سوف تكون دخلت آخر مشهد في ما يمكن تسميته بمدى قدرة الزخم العسكري الإسرائيلي على الاندفاع والتواصل!!
وإلى جانب هذا التقدير؛ هناك وجهة نظر أخرى تقول أنه بعد “معركة مدينة غزة”، فإن إسرائيل ستكون معنية بتنفيذ بدء “حرب ضم الضفة الغربية”؛ وهذا يحتم توجيه وتركيز ثقلها العسكري على جبهتيها الأساسيتين: جبهة تدمير غزة كمقدمة لتهجيرها؛ وجبهة ضم الضفة الغربية كمقدمة لإعلان النصر المطلق، وهو حصراً يتمثل بتحقيق ما يسميه تحالف اليمين القومي والديني بـ”الاستقلال الثاني”.
هنا يجدر التوقف عند أهمية ما يمكن تسميته باستراتيجية التوقيتات التي يتبعها نتنياهو منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ حتى الآن؛ فنتنياهو يريد تحويل لحظة اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية خلال هذه الفترة، إلى فرصة استراتيجية للمشروع الصهيوني القومي والديني، وذلك من خلال إعلان تل أبيب ضم الضفة الغربية، وتصوير هذا القرار على أنه رد إسرائيلي وجودي على قرار أممي يهدد وجود اسرائيل، كون الكنيست الإسرائيلي كان قبل فترة سن قانوناً برفض الدولة الفلسطينية ضمن أية حدود بين النهر والبحر، وذلك تحت مبرر أن قيام دولة للفلسطينيين داخل هذه المنطقة يشكل خطراً وجودياً على بقاء إسرائيل.
الملاحظة الثالثة وهي تلخيص لكل المعطيات السابقة، ومفادها أن نتنياهو عشية الانتخابات العامة مطلع العام المقبل، وبعد أفظع مشهد يرتكبه الآن داخل مشاهد حرب الإبادة في غزة؛ سوف يكون بحاجة لأمرين إثنين منذ الأن حتى نهاية العام: الأول إعلانه تحقيق النصر المطلق؛ وترجمة هذه العبارة تعني أنه بحاجة لنصر سياسي ملموس وليس نصراً عاماً عسكرياً مجرداً؛ وهذا النصر الملموس الذي يستطيع أن يسميه بالنصر المطلق يمكن العثور عليه في نطاق واحد وهو أن يحقق للمشروع الصهيوني مكسباً ايديولوجياً ملموساً؛ أي ضم الضفة الغربية؛ وهو الهدف الذي أدى عدم تحقيقه بحسب اليمين القومي والديني الإسرائيلي، إلى عدم استكمال مهمة “استقلال إسرائيل الكامل”؛ وعليه قد يفكر نتنياهو بأن لحظة إعلان وقف الحرب وتحقيق النصر المطلق ستكون بإعلانه منطقة “يهودا والسامرة” جزء من الدولة العبرية؛ وفرض هذا الأمر على العرب بمساعدة أميركية تتمثل بتأييد الولايات المتحدة الأميركية “استقلال إسرائيل الثاني” أو تأييدها لخطوة نتنياهو باستكمال “مهمة استقلال إسرائيل”.