.
بقلم الكاتب والمحلل السياسي اللواء م الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان:
تمثّل اجتماعات مجلس الدفاع المشترك لدول الخليج، بعد القمة العربية الإسلامية والقمة الخليجية في الدوحة، خطوة محورية في مسار التعاون الدفاعي الإقليمي. فهي لم تكتفِ بتكرار الشعارات أو إعادة التأكيد على المواقف المبدئية، بل انتقلت إلى الجانب العملي التنفيذي، وهو ما يعكس إدراكًا عميقًا لطبيعة التحديات الأمنية المتسارعة في المنطقة.

تكمن أهمية هذه القرارات في كونها قفزة نوعية على مستوى التنسيق الدفاعي، ليس فقط لتعزيز الردع ضد التهديدات المباشرة، بل أيضًا كجزء من معادلة التوازنات الإقليمية. على المدى القريب، تحمل هذه الخطوات رسالة واضحة: أي هجمات جوية أو صاروخية ضد دول الخليج لن تكون سهلة ولن تحقق أهدافها المرجوة، بل ستواجه منظومة دفاعية متطورة تزيد من كلفة المغامرة العسكرية على الخصوم. وعلى المدى المتوسط، فإنها تعزز الاستقرار الأمني وتمنح دول الخليج هامشًا أوسع للمناورة الاستراتيجية، وإن كانت قد تدفع أطرافًا أخرى إلى تطوير أدوات هجومية بديلة، كالهجمات السيبرانية أو الحروب بالوكالة.
أحد أبرز التحديات التي تواجه دول المجلس يتمثل في الترسانات الإقليمية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بعيدة المدى، والتي استُخدمت مرارًا كأدوات للضغط السياسي والعسكري. غير أن تعزيز قدرات الإنذار المبكر وتحديث الخطط الدفاعية المشتركة سيؤدي إلى تحييد أو تقليص فعالية هذه التهديدات بشكل ملموس. هنا، لا يقتصر الأمر على البعد العسكري، بل يمتد إلى رسائل سياسية ذات دلالة: أن دول الخليج تتحدث بصوت واحد وتتحرك ككتلة متماسكة، وأن أي اعتداء على عضو في المجلس سيواجه برد جماعي. هذه الرسالة وحدها كفيلة بزيادة كلفة أي مغامرة عسكرية، وهو ما ينطبق بشكل خاص على التهديد الحوثي الذي استهدف السعودية والإمارات بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
في هذا السياق، تأتي التمارين العسكرية المشتركة كإضافة نوعية. فهي لا تعزز الثقة المتبادلة بين القوات المسلحة الخليجية فحسب، بل ترفع أيضًا من القدرة العملياتية لمواجهة هجمات مركبة أو متزامنة، كأن تجمع بين الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. ومن خلال هذا التنسيق العملي، تتحول القرارات السياسية إلى واقع ميداني ملموس، يزيد من قوة الردع الجماعي ويجعل أي محاولة لاختبار الجبهة الخليجية أكثر خطورة على المهاجمين.
أما على مستوى العلاقات الدولية، فالتداعيات متعددة الأوجه. الولايات المتحدة ستنظر بإيجابية إلى هذه الخطوات، كونها تتوافق مع استراتيجيتها الرامية إلى دفع الحلفاء لتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن أنفسهم. إسرائيل قد ترى فيها خطوة نحو دمج تدريجي لدول الخليج في شبكة الدفاع الجوي الإقليمي التي تعمل واشنطن على إنشائها. في المقابل، ستتعامل إيران وتركيا مع هذه التطورات باعتبارها محاولة لخلق توازن ردع خليجي مدعوم غربيًا، وهو ما قد يزيد من حدة المنافسة الإقليمية ويفرض أنماطًا جديدة من الاصطفافات والتحالفات.
ولا يقل البعد الداخلي أهمية عن الخارجي. فالقرارات الدفاعية المشتركة تمثل عاملًا جديدًا لتعزيز التلاحم الخليجي، خاصة بعد مرحلة من التباينات والصراعات التي شهدها المجلس في سنوات سابقة، مثل الأزمة الخليجية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوات يتطلب ثقة سياسية عالية، خصوصًا في ما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية والربط العملياتي بين الدول، وهي ملفات شديدة الحساسية قد تتأثر بأي توتر داخلي.
في المحصلة، يمكن القول إن قرارات مجلس الدفاع المشترك ليست مجرد ترتيبات عسكرية عابرة، بل هي انعكاس لوعي استراتيجي متنامٍ بضرورة العمل الجماعي لمواجهة التحديات الأمنية. وإذا ما استمرت هذه الجهود في مسارها الصحيح، فإنها ستشكّل نقلة نوعية تضمن بعد مشيئة الله مزيدًا من الأمن والاستقرار لدول الخليج، وتضعها في موقع أقوى ضمن معادلة التوازنات الإقليمية والدولية
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

