خاص الهديل …

بقلم: ناصر شرارة
سيأتي من يوصف بأقوى رئيس أميركي (ترامب) إلى المنطقة ليحضر مراسم إعلان نهاية أطول حرب في الشرق الأوسط دارت على سبع جبهات وفوق ميدان بلغت مجمل مساحته أكثر من مليون كيلومتر مربعاً.
.. الكثير من المؤرخين سوف يسمونها حرب بنيامين نتنياهو؛ والقليل منهم سوف يسمونها حرب يحيى السنوار.
وفي الحالتين فإن هناك إسماً واحداً سوف يشار إليه بأنه صاحب الفضل الأكبر في وقف هذه الحرب هو دونالد ترامب. وبمثلما أن هذا الرجل قادر بما يملك من أوراق ضغط هائلة في المنطقة، على فرض وقف الحرب في غزة؛ فإن ميزات هذا الرجل ذاته تزيد من احتمال أن يتراجع في لحظة مقبلة عن استمراره في رعاية استدامة فرض وقف حرب غزة.
لا شيء يضمن أن ترامب سيفي بضماناته بخصوص إنهاء حرب غزة؛ فهو لم يف بضماناته بخصوص سحب الجيش الإسرائيلي من لبنان بعد توقيع الأخير على اتفاق وقف الحرب مع إسرائيل؛ وبدل أن يحترم ضماناته حتى غير المباشرة لبيروت؛ فإن إدارته تقول اليوم أن ترامب لم يعط بالأساس ضمانات كي ينفذها. هذا صحيح بالمعنى الحرفي، ولكن ما هو صحيح بالمعنى العملي هو أن الدول الكبرى حينما ترعى التوصل لاتفاق بين دولتين يصبح لها صفة المرجعية الصالحة للتدخل لحل الخلافات الناتجة عن تعثر سير الاتفاق الذي رعت إبرامه. واضح أنه بمقاييس التناسب لا يمكن الرهان على أن ترامب سيلتزم مع لبنان أو غداً مع غزة، وذلك في وقت يسحب فيه التزامات الولايات المتحدة الأميركية مع أوروبا ومع الناتو، الخ..
.. الفكرة السائدة الآن والمرجحة هي أن اتفاق ترامب يتألف عملياً من المرحلة الأولى فقط والمتمثلة بانسحاب إسرائيلي لحدود متفق عليها داخل غزة وليس الانسحاب للحدود مع غزة؛ وإطلاق عملية تبادل ألفي أسيراً فلسطينياً مع كل الأسرى الإسرائيليين الأحياء والموتى دفعة واحدة خلال فترة ٧٢ ساعة.
الثابت الآن أن هذا القسم من الاتفاق سينفذ والدليل المادي الأكثر موثوقية على ذلك، هو أن ترامب قادم إلى مصر ليحضر توقيع الاتفاق ثم سيزور إسرائيل ليقدم ضمانة لنتنياهو وللمجتمع الإسرائيلي بأن أميركا التي جاءت بكل زعاماتها وبأساطيلها إلى إسرائيل بعد أقل من ٧٢ ساعة على حصول عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣؛ هي ذاتها (أي أميركا) تعود اليوم لتتواجد بكل أساطيلها وكبار زعمائها بجانب إسرائيل بعد ٧٢ ساعة من إعلان وقف النار في حرب غزة التي تحولت إلى حرب إسرائيل في المنطقة.
هناك أسئلة لا بد طرحها رغم أنها تشوش على موجة الفرح العارمة بوقف الحرب؛ ورغم استمرار غموض المستقبل.. أبرز هذه الأسئلة عن نتنياهو البطل الشرير في هذه الحرب..هل سيكون وقف حرب غزة هي بداية نهايته؛ أم أنه كعادته سيحصل على تعويض من ترامب أو من المنطقة تساعده على الاستمرار في السلطة، لأن خروجه منها يعني انكشاف الحصانة عنه ودخوله السجن؟؟.
هناك عدة سيناريوهات متخيلة بخصوص مستقبل نتنياهو: السيناريو الأول هو خضوعه لضغط مستديم من قبل ترامب لجعله ينفذ كل خطة وقف حرب غزة؛ وهذا مسار يؤدي إلى ضموره سياسياً على نحو مستمر داخل إسرائيل. وهذا المسار يمكن وصفه بمشروع نهاية “المرحلة البيبية (نسبة للقب بيبي الذي يطلق على نتنياهو) السياسية الإسرائيلية”.
ضمن هذا السيناريو سوف يحدث أمور برغماتية من نوع إزاحة نتنياهو عن السلطة في انتخابات ٢٠٢٦ العامة في إسرائيل. والواقع ان الاستطلاعات بدأت منذ فترة ترشح وصول تحالف يضم قوى المركز واليسار تحت قيادة زعيم المعارضة إلى السلطة بدل تحالف الليكود بقيادة نتنياهو؛ ولكن بالمقابل هناك خيار آخر أو خيار مواز يتحدث عن خروج بن غفير وسموتريتش من حكومة نتنياهو وقيام أجزاء من المعارضة بتقديم شبكة امان لنتنياهو كي لا تسقط حكومته.. وهذا المسار يؤدي لعقد انتخابات تسفر عن تكتل موجود فيه نتنياهو والمعارضة ناقص اليمين الديني والعرب، يملك أغلبية ٧٢ نائباً..
كما هو واضح فإن هذا السيناريو يطرح فرضيتين الأولى إنشاء مرحلة سياسية جديدة لما بعد حرب غزة لا يكون فيها نتنياهو؛ والثانية تطرح فرضية إنشاء مرحلة جديدة في غزة بعد حرب غزة يوجد فيها نتنياهو بتحالف مع المركز (الوسط) وليس اليمين الديني المتطرف.
الفكرة الأساس هنا هو أنه قد تكون المرحلة السياسية الانتقالية الإسرائيلية بحاجة لوجود نتنياهو كي يتم تهدئة خواطر اليمين وجعله غير موحد على فكرة ضرورة الاستمرار بالحرب؛ ذلك أنه في حال تم فك تحالف نتنياهو مع بن غفير ورفاقه؛ فحينها سيصبح هناك يمينان إثنان – إن صح التعبير – في إسرائيل: يمين ضد وقف الحرب معزول بعد سحب تحالفه مع نتنياهو؛ ويمين مع وقف الحرب بقيادة نتنياهو متعاون مع قوى المركز (وسط اليمين).
السيناريو الثاني المتداول هو أن نتتياهو بعد وقف حرب غزة لن يسلم لمعادلة نزع آلة الحرب الأبدية منه؛ بمعنى أن نتنياهو لم يعد يستطيع أن يترجل عن حصان المقاتل؛ وفي حال فعل ذلك سيواجه المحاسبة؛ وأفضل وسائله للدفاع عن نفسه هو الاستمرار فوق حصانه والبقاء ممسكاً بآلة الحرب الأبدية.
.. وما تقدم يعني أن نتنياهو سيكون بعد حرب غزة بحاجة لحرب جديدة؛ وهنا أمامه ألف خيار غير مضمون النتائج لكنه وارد الحصول: مثلاً، أن يشعل حرباً غير سهلة مع إيران. المشكلة في هذه الحرب تكمن في أنها قد تنتهي على مفاجآت تجعل نتنياهو يقرر وقفها من دون أن يحقق هدفها النهائي المعلن وهو إسقاط النظام الإيراني. ما يرجحه مراقبون هو أن نتنياهو يعتقد الآن أن النظام الإيراني قد يسقط في حال مواجهته بدينامية أحداث كالتي تم مراجهة نظام الأسد بها.. المقصود هنا تواطؤ إقليمي ضد إيران مع حريق سياسي داخل إيران يؤديان للوصول للحظة انهيار النظام الإيراني!!. هذا السيناريو مطروح وموجود على طاولة نتنياهو؛ ولكن هناك علامة استفهام كبيرة حول نجاحه.
ضمن هذا السيناريو توجد على طاولة نتنياهو بحسب التوقعات فكرة تجديد الحرب على لبنان. هذا السيناريو يرسم نهاية لهذه الحرب تؤدي إلى استكمال تدمير حزب الله من ناحية وإضعاف الشيعة من ناحية ثانية والذهاب في توقيت واحد لإبرام سلام مع لبنان وسورية في نفس الوقت.. وفي هذه الحالة سيبدو نتنياهو في لحظة انتصار تاريخي تعوضه خسارته لجزء غير قليل من أهدافه في غزة والضفة الغربية..
ضمن هذا السيناريو ذاته هناك بدائل تكتيكية منها قد يعتمدها نتنياهو وبمقدمتها “لبننة غزة”؛ أي استمرار إسرائيل بتنفيذ عمليات عسكرية نقطوية في القطاع وذلك تحت عنوان أن وقف النار لا يحرم إسرائيل من “حقها” بالتحرك لتدمير أهداف تهدد أمنها تكتشفها في غزة.
السيناريو الثالث الذي لا يجب إغفاله رغم كلام ترامب مؤخراً عن أنه ضد ضم الضفة الغربية؛ هو أن يعلن نتنياهو في موقفه لإنهاء الحرب على غزة، قيامه بضم الجزء الاستطياني من الضفة الغربية لإسرائيل، وإعلان ما يسميه اليمين الديني واليمين القومي الإستقلال الإسرائيلي الثاني.
ويشكل هذا الإعلان لنتنياهو صورة نيله النصر المطلق وهو الشعار الذي طالما تحدث عنه. فإعلان نتنياهو تحقيق الاستقلال الثاني سيجعل له داخل إسرائيل مرتبة بن غوريون ٢؛ وسيجعله قادراً على توحيد كل أطياف اليمين خلفه وسيقوي من ديناميته كزعيم تاريخي في إسرائيل.
في هذا المجال يمكن توقع أن يذهب نتنياهو لتمويه إعلانه ضد الضفة وذلك من خلال اتباع لعبة تقسيم الضفة إلى ضفتين: ١- ضفة غربية أردنية تتكون من ست مدن مكتظة بالسكان وغير متصلة ببعضها (جنين ونابلس وطولكرم، الخ…) وضفة تسمى “يهودا والسامرة” متصلة مستوطناتها بشكبة طرقات وفيها أكبر مدينة يهودية صرفة وهي مستوطنة أودميم.
رغم أن العالم يصر على حل الدولتين ورغم أن ترامب تحدث عن رفضه ضم الضفة الغربية ورغم عزلة إسرائيل العالمية وحاجتها لأن تدفع ثمناً سياسياً للفلسطينيين؛ إلا أنه بالمقابل يجب التوقف عند الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل الذي يعوضها أي عزلة دولية لها؛ ويجدر أيضاً التوقف عند تصريح خطر وهام لترامب عندما قال أن إسرائيل دولة بمساحة صغيرة ويجب توسعتها؛ وأيضاً يجدر التنبه إلى أن ترامب فضلاً عن أن مواقفه متقبلة، ولذلك لا يعتد بوعده بعدم ضم الضفة؛ فهو أيضاً بالمقابل كان تقاضى مئات ملايين الدولارات من قبل متمولة صهيونية اتفقت معه على تقديم إسهام مالي كبير لصالح حملته الانتخابية مقابل إعطائها وعد بأن يؤيد ضم الضفة الغربية بعد وصوله للبيت الأبيض.

