الهديل

“بَهَاءُ الْعَدْلِ يَرْحَلُ… إِلَى السَّمَاء”!

يا كَرِيمَ الحُرُوفِ وَالقَضَاءِ،

يا سَاكِنَ النُّورِ بَينَ السُّطُورِ،

رَحِيلُكَ كَانَ هُدُوءًا يَتَسَلَّلُ مِنْ نَبْضِ الحَيَاةِ،

كَأَنَّهُ سَطْرٌ أَخِيرٌ فِي كِتَابٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُغْلَقَ.

 

أَيَامُكَ تَسِيلُ فِي ذَاكِرَتِنَا كَحِبْرٍ نَبِيلٍ،

خَطَّهُ قَلَمُ الإِخْلَاصِ عَلَى وَرَقِ العَدْلِ،

فَيَبْقَى أَثَرُكَ وَلَا يَغِيبُ.

كَيْفَ رَحَلْتَ، وَصَوْتُكَ مَا زَالَ يُنَادِينَا فِي مَحَافِلِ الحَقِّ،

تُقَلِّبُ الوَرَقَ بِرِقَّةِ الرُّوحِ،

وَتَزِنُ الكَلِمَةَ بِمِيزَانِ الإِيمَانِ،

وَتَحْكُمُ كَمَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ اللهِ فِي ضَمِيرِهِ.

 

يَا مَنْ كَانَ لِلْقَضَاءِ وَجْهًا نَقِيًّا،

وَلِلصَّدَاقَةِ مَعْنًى يُضَاهِي الطُّهْرَ،

وَلِلْإِيمَانِ صُورَةً فِي سُكُونِ نَظرَتِكَ،

يَا صَاحِبَ الخَطِّ الَّذِي يُشْبِهُ تَسَابِيحَ الصَّالِحِينَ،

تَنْسَابُ حُرُوفُكَ كَالمَاءِ عَلَى جِدَارِ الزَّمَانِ،

فَتَزْدَهِرُ بِكَ الذِّكْرَى وَتَتَجَدَّدُ البَهَاءَاتُ.

 

كَرِيمٌ أَنْتَ، حَتَّى فِي رَحِيلِكَ،

كَأَنَّ اسْمَكَ كَانَ وَعْدًا صَادِقًا مِنَ السَّمَاءِ،

تُعْطِي وَتَبْتَسِمُ،

وَتُحْسِنُ كَأَنَّ الدُّنْيَا مَا خُلِقَتْ إِلَّا لِتَكُونَ مِيزَانَ عَدْلٍ فِي يَدَيْكَ.

يَا قَاضِيَ الرُّوحِ وَرَاحَةَ الإِخْوَانِ،

سَنَذْكُرُكَ كَمَا يَذْكُرُ النُّورُ مَصْدَرَهُ،

وَكَمَا تَذْكُرُ السَّمَاءُ غَيْمَهَا البَعِيدَ،

وَسَيَبْقَى اسْمُكَ نَجْمًا فِي مَحَاكِمِ النُّبْلِ،

يَهْدِي القُلُوبَ إِلَى سَبِيلِ الحَقِّ وَالإِنسَانِيَّةِ.

 

غَفَرَ اللهُ لَكَ، وَأَسْكَنَكَ فَسِيحَ جِنَانِهِ،

وَجَعَلَ خَطَّكَ البَدِيعَ شَاهِدًا عَلَى جَمَالِ نَفْسِكَ،

وَصِدْقِ حُبِّكَ، وَبَهَاءِ حُضُورِكَ الَّذِي لَا يَمُوتُ،

وَلْتَبْقَ فِي ذَاكِرَةِ القَضَاءِ رُوحًا تُضِيءُ،

وَفِي صُدُورِ أَصْدِقَائِكَ دُعَاءً لَا يَخْفُتُ.

 

فَلَا تَبْكُوا كَثِيرًا، أَيُّهَا الإِخْوَانُ،

فَإِنَّ الدَّرْبَ الَّذِي سِرْنَا فِيهِ مَا زَالَ نَقِيًّا،

وَإِنَّ مِيزَانَ العَدْلِ الَّذِي حَمَلْنَاهُ مَعًا

لَنْ يَسْقُطَ مَا دَامَ فِي الأَرْضِ قَاضٍ يُؤْمِنُ بِالحَقِّ،

وَيَكْتُبُ بِقَلْبِهِ قَبْلَ قَلَمِهِ.

 

قُولُوا: “كَانَ كَرِيمًا فِي الدُّنْيَا،

وَهُوَ الْيَوْمَ أَكْرَمُ عِندَ اللهِ”،

وَاتْرُكُوا لَهُ دُعَاءً يَصِلُهُ كَنَسِيمٍ مِنْ مَحَاكِمِكُمْ،

فَيَهْتَزُّ لَهُ تُرَابُ قَبْرِهِ بِسَكِينَةٍ وَرِضًا.

 

 

القاضي جمال الحلو

Exit mobile version