الهديل

خاص الهديل: نتنياهو أمام الحساب الاستراتيجي: شرق أوسط بدون سايكس بيكو!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

سوف تنشغل إسرائيل بعد اتمام عملية استعادة الأسرى من حماس بجدل داخلي صعب؛ ولن يكون طرفاه فقط قوى اليمين من ناحية والقوى المسماة بالمركز من ناحية ثانية؛ بل كل طرف من هذين المعسكرين ستشتعل بداخله الخلافات حول عناوين كثيرة.

الفكرة الأساسية هنا هي أن “حرب النهوض” حسب تسمية نتنياهو والتي يقابلها “حرب طوفان الأقصى” بحسب تسمية حماس لها؛ لم تستطع أن تجيب بالعسكر على أسئلة كتبتها الوقائع التاريخية والسياسية والديموغرافية. 

لقد نجحت الآلة العسكرية الإسرائيلية بتدمير غزة بنسبة ٩٠ بالمئة منها؛ وأصبح القطاع اليوم عبارة عن مليون ونصف مليون نسمة تقريباً يعيشون في العراء في غزة.. ويوجد تقدير يقول أن نسبة تفوق الـ٦٠ بالمئة من هؤلاء الغزاويين العراة هم من الأطفال الغزاويين الذين باتوا من دون سقف فوق رؤوسهم؛ ومن دون أب أو أم يأخذان بأيديهم. وهذا يعني أن إسرائيل باتت بعد “حرب النهوض” يعيش بالقرب منها جيل جديد من الغزاويين تسببت في إلحاق أكبر معاناة له، وهو جيل أبرز سماته أنه لا يملك شيئاً يخسره؛ ولا يملك بيتاً يسكنه؛ ولا يوجد حاضن عائلي له. وعليه لن يكون أمام هذا الجيل إلا ملاذاً واحداً وهو “حماس” أو بأحسن الأحوال حركة فلسطينية مقاومة جديدة تعادل حماس..

عند بدء حرب طوفان الأقصى وضع مسؤول سابق للموساد (دوغان) “مخطط حرب” للرد على عملية طوفان الأقصى؛ توصي بالتالي: رد عنيف لمدة أسبوعين فقط؛ يلي ذلك تبادل للأسرى. وقال دوغان أن على إسرائيل أن لا تذهب لحرب طويلة لأن ذلك سيضر بصورة إسرائيل عالمياً؛ وسيرهق الجيش الإسرائيلي؛ وأيضاً سيؤدي لتفلت الجبهة الشمالية.

.. رفض نتنياهو توصيات رئيس الموساد السابق وقرر الذهاب لحرب وصفها بأنها ستغير الشرق الأوسط. لقد طرح نتنياهو هذا الشعار حتى يجعل إدارة بايدن تستعيد شعار كوندليزا رايس التي قالت خلال حرب ٢٠٠٦ أن الهدف ليس فقط إطلاق الأسرى الإسرائليين الذين اختطفهم آنذاك حزب الله؛ بل أيضاً بناء شرق أوسط جديد.

السؤال الذي يطرح نفسه بعد طرح شعار تغيير الشرق عام ٢٠٠٦ ومعاودة طرحه عام ٢٠٢٤ – ٢٠٢٥ هو هل فعلاً هناك خطة مرسومة وتصور قائم مسبقاً لبناء شرق أوسط جديد؟؟.

مع مطالع هذا العام عيّن ترامب توم براك سفيراً للولايات المتحدة الأميركية في تركيا؛ وأسند إليه مهمة الملف السوري ولاحقاً مهمة الملف اللبناني. وشاع عن براك أنه متعدد المواقف، ولكن ما لفت النظر إليه هو دعواته المتكررة لتغيير سايكس بيكو، وحثه شعوب المنطقة على رسم حدود جديدة غير استعمارية تعبر عن تطلعاتها. والتفسير العملي لكلام براك هو أنه يدعو لكيانات جديدة في المنطقة تتمثل بداخلها أعراق وقوميات ومذاهب دينية تقوم بالانفصال عن الدول الوطنية التي تم بناؤها بمرحلة سايكس بيكو.

.. ولكن بالعمق فإن أصل الفكرة فيما لو جرى التدقيق بها هو أن سايكس بيكو لا يناسب مستقبل إسرائيل في واقع الشرق الأوسط الجيوسياسي القائم على أساس خرائط سايكس بيكو؛ ولذلك فإن المطلوب ليس تغيير إسرائيل حتى تتأقلم مع خريطة سايكس بيكو، بل المطلوب تغيير سايكس بيكو حتى يصبح يناسب إسرائيل؛ أي المطلوب تغيير الكل حتى يناسب الجزء، وليس العكس.

غير أنه المرة بعد المرة تبدو فكرة إنشاء شرق أوسط جديد غير قابلة للتنفيذ على الأرض. عام ٢٠٠٦ تراجعت كونداليزا رايس عن فكرتها وجرى وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل؛ واليوم يجري توقيع اتفاق عالمي في شرم الشيخ لإعادة الوضع في الشرق الأوسط إلى ما قبل يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.

هناك حقائق يبدو أن اسرائيل – وأيضاً المنطقة – أصبحت مسجونة داخلها؛ أبرزها أن العنف مهما كان مفرطاً فهو لديه مدى، ومفاده أنه بأحسن أحواله ينتج ردعاً نسبياً ومؤقتاً ولكنه لا ينتج استقراراً مطلقاً مفروضاً.

.. أضف لذلك أن إسرائيل وفق رؤية نتنياهو استعملت القوة المطلقة التقليدية التي تملكها، وعليه فإن النتائج السياسية التي ستحصدها ستكون هي أكثر ما تستطيعه الآن ومستقبلاً. ومن هنا فإن نتنياهو سيكون عليه إجراء حساب استراتيجي مع نتائج الحرب التي خاضها طوال العامين الماضيين، والتي قرر أن يكون اسمه عنواناً لها. وهذا النوع من الحساب ستشارك فيه بدرجة أولى المؤسسة العسكرية التي ستوجه سؤالاً مركزياً لنتنياهو وهو هل كانت التكتيكات العسكرية متناسبة مع الأهداف السياسية، أم أن المستوى السياسي بالغ بتوريط آلة الحرب العسكرية واستنزف هيبتها الاستراتيجية؟؟.

سؤال آخر سوف يطرح نفسه وهو هل كانت إسرائيل تخوض “حرب أمن إسرائيل” أم “حرب فرض ايديولوجيا اليمين الديني”؟؟. وهل حرب نتنياهو وبين غفير وسموترتيش كانت في جانب منها هي استمرار لحرب اليمين الداخلية لفرض أجندته على كامل المجتمع الإسرائيلي، وهي حرب كانت بدأت من قبل تحالف اليمين الديني والقومي قبل حرب أكتوبر ٢٠٢٣(؟؟)؛ وهل مستقبل إسرائيل صار هو ذاته مستقبلها بموجب نظرة اليمين الديني لها؟؟..

سؤال آخر أساسي وهو من هو مرشد إسرائيل الحقيقي المستجد: هرتزل أم بن غوريون أم جابوتنسكي أو بار كوخبا؟؟؟.

الواقع أن إسرائيل أعادت غزة عمرانياً آلاف السنين إلى الوراء، ولكن ديموغرافيا غزة لا تزال مكانها.. أصبح الغزاويون ينطبق عليهم المبدأ الذي استخدمه الصهاينة للمطالبة بدولة لهم في فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)؛ الغزاويون بعد المذبحة الإسرائيلية بحقهم أصبحوا شعب بلا بيوت وبلا أرض مسكونة؛ واليوم سوف يطالبون بوعد دولي لإعادة بيوتهم فوق أرضهم وذلك بمثلما طالب الصهاينة بنهايات القرن التاسع عشر بوعد دولي لإعادتهم إلى أرض الميعاد حسب ما يزعم خطاب الحركة الصهيونية.  

والواقع أن المحرقة الصهيونية بحق الغزاويين تجعل غزة شعب فوق أرضه، ولكنه بلا بيوت.. والعالم اليوم يقف مع مطلبه بإطلاق وعد له بإعادته إلى بيوته..

خلاصة القول أن الصهيونية في حرب طوفان الأقصى لم تتعلم حتى من تجربتها التي نشأت بفعل المحرقة ضد اليهود!!

Exit mobile version