بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء 2030 تتحول من اقتصاد إلى مشروعا للسلام لمن التنمية إلى الدبلوماسية في لحظة إقليمية مشحونة بالتوتر والبحث عن مخرج حيث تبرز السعودية برؤية مختلفة تقلب معادلة القوة في الشرق الأوسط من منطق الصراع إلى منطق التنمية لان الرياض لم تعد تكتفي بخطاب المساعدات الطارئة ولا بمواقف الدبلوماسية التقليدية بل تمضي برؤية 2030 إلى مساحة جديدة من التأثير لتحويل التنمية إلى أداة للسلام والإعمار إلى لغة مشتركة تعيد بناء الإنسان قبل الحجر ولهذا تطل غزة اليوم كاختبار واقعي لقدرة المنطقة على إنتاج سلام يقوم على الاقتصاد والحياة لا على الهدنة والانتظار ومع مخرجات مؤتمر إحلال الدولتين الأخير تتقدم السعودية لتضع بصمتها في أكثر الملفات حساسية مستندة إلى فلسفة واضحة أن الإعمار ليس منحة بل استثمار في استقرار إقليمي وأن بناء المنازل والمدارس لا يقل أهمية عن بناء الثقة والسيادة إنها دبلوماسية التنمية التي بشر بها ولي العهد الأمير محمد حين ربط بين ازدهار الداخل السعودي واستقرار الجوار العربي وجعل من رؤية 2030 مشروعًا ممتدًا تتجاوز حدوده الجغرافيا لتشمل روح المنطقة بأكملها من خلال رؤية 2030 التي أعادت تعريف التنمية داخل السعودية والتي يمكن قراءتها اليوم بوصفها مشروعًا عربيًا شاملًا لإعادة هندسة المنطقة عبر منطق الاستقرار المنتج فحين وضعت الرياض في جوهر رؤيتها هدف تنويع الاقتصاد وتحرير المجتمع من الارتهان للنفط كانت في الواقع تمهد لتحول سياسي مواز واستبدال منطق المساعدات بمنطق الشراكات ومنطق الصراعات بمنطق الفرص وفي الحالة الفلسطينية تحديدًا تتيح هذه الفلسفة للسعودية أن تقدم نموذجًا فريدا وجديدًا لإعمار غزة يقوم على الاستثمار في البنية التحتية والحياة اليومية لا في إسعافات الوقت الضائع علما بان مخرجات مؤتمر إحلال الدولتين الذي رعته الأمم المتحدة وشاركت فيه الرياض بفعالية جاءت لتفتح الباب أمام هذا التحول فقد حدد المؤتمر للمرة الأولى إطارًا عمليًا لربط الإعمار بالحل السياسي ووضع معايير للحوكمة والشفافية والتمويل المشروط بالتقدم في المسار السلمي وهنا بالضبط يتقاطع الطموح السعودي مع التطلعات الدولية فآلية التنفيذ التي تعتمدها برامج رؤية 2030 من وحدات الإنجاز والمؤشرات القابلة للقياس يمكن أن تتحول إلى أداة لإدارة مشاريع الإعمار في غزة بحيث تدار الأموال ضمن نظام رقابة واضح يضمن ألا تضيع بين الفساد والانقسام بل تترجم إلى مدارس ومصانع وموانئ ومساكن قابلة للحياة إنها ليست فقط خطة لإعادة البناء بل رؤية لإعادة الثقة بأن تكون التنمية هي اللغة المشتركة بين الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي وأن تكون السعودية هي الجسر الذي يربط بين الحلم الفلسطيني وممكنات الواقع الإقليمي فكما أعادت رؤية 2030 صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع داخل المملكة يمكنها اليوم أن تعيد صياغة العلاقة بين التنمية والسياسة في المنطقة لتصبح غزة نموذج عملي لدبلوماسية سعودية جديدة دبلوماسية تبنى بالرافعات لا بالمدافع لانه في نهاية المطاف يبدو أن ما يجري ليس مجرد نقلة في السياسات بل تحول في فلسفة الدور العربي ذاته فبينما أرهقت المنطقة عقود من الصراع تأتي رؤية الأمير محمد بن سلمان لتضع قاعدة مختلفة مفادها أن السلام لا ينتزع من موائد المفاوضات وحدها بل يبنى على الأرض بالإسمنت والفرص والعمل ومن غزة يمكن أن يبدأ هذا التحول حيث تتحول المدينة المحاصرة إلى مختبر حقيقي لفكرة السلام كاستثمار سلام ينتج طاقة وموانئ ومساكن ومدارس قبل أن ينتج خطابات سياسية لإن الرؤية التي أعادت تعريف السعودية كقوة اقتصادية عالمية قادرة على بناء مدن من الصفر يمكن أن تعيد تعريفها أيضًا كقوة توازن سياسي وأخلاقي في الشرق الأوسط فإذا كان مشروع نيوم قد مثل طموح المستقبل السعودي فإن مشروع إعمار غزة يمكن أن يكون عنوان المستقبل العربي مستقبل يصنعه منطق التنمية لا منطق الحرب وترسم حدوده بقرارات جريئة لا بخطوط هدنة مؤقتة هكذا فقط تتحول رؤية 2030 من وثيقة وطنية إلى رسالة حضارية تعيد للمنطقة إيمانها بأن البناء ليس ترفا بعد الحرب بل هو الطريق الوحيد لتجاوزها.
@alatif1969

