الهديل

خاص الهديل: لماذا صعّد نتنياهو في لبنان.. وهل تصبح الفترة الانتقالية في غزة دائمة؟؟

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة

عاش لبنان ليلة أمس أسئلة مقلقة عن المرحلة الراهنة، واكبت القلق عينه الناتج عن القصف الإسرائيلي العنيف الذي تعرضت له عدة بلدات من الجنوب إلى البقاع.

ومنذ قصف مجمع الآليات في المصيلح الذي حدث قبل ساعات من زيارة ترامب لإسرائيل ومصر ومشاركته باجتماع شرم الشيخ؛ كان واضحاً أن إسرائيل توجه رسالة للمجتمعين في شرم الشيخ مفادها أمران؛ أولاً أنه بعد وقف الحرب في غزة سيحين دور تصعيد إطلاق النار في لبنان؛ والثاني أن ما تسميه إسرائيل بنموذج لبنان (أي استمرار تل أبيب بإطلاق النار ضد أهداف في لبنان بعد وقف الحرب فيه) سيتم تبنيه أيضاً في غزة بعد وقف الحرب عليها..

.. إذن المعادلة التي سارع نتنياهو لتثبيتها عشية شرم الشيخ هي التالية: وقف الحرب في غزة لا تعني وقف إطلاق النار ضد حماس؛ ونموذج لبنان الذي يجب تعميمه على غزة والمطلوب دولياً التعايش معه هو أن نتنياهو يقبل رغبة ترامب بوقف الحرب بمقابل أن ترامب يقبل رغبة نتنياهو بمواصلة إطلاق النار بعد وقف الحرب ضد أي هدف سواء في لبنان أو في غزة ترى فيه إسرائيل أنه مصدر خطر ماثل أو يمكن أن يكون لاحقاً مصدر خطر محتمل!!

والواقع أن هذه التوليفة بين ما يريده ترامب (صورة من يوقف الحروب) وبين ما يريده نتنياهو (صورة المحارب الذي يطارد الأعداء حتى بعد وقف الحرب)، لا يبدو أنها – أي هذه التوليفة – قادرة على تجسيد تعبير سياسي لها أو عسكري وأمني ومدني على أرض الواقع.. فمثلاً في غزة برزت منذ الساعات الأولى على انسحاب إسرائيل الحاجة الملحة لملأ الفراغ الأمني؛ وهذا ما قاد حكم حماس للعودة إلى فوق الأرض بعد أن كان حكمها بفعل الحرب انتقل إلى تحت الأرض.

وهذا الانتقال الذي يعمل بأسلوب المصعد؛ طرح أمراً واقعاً عن أنه لا يمكن أقله خلال المرحلة الانتقالية تخيل غزة بلا حماس. 

وبظرف من بداية ما كان يصطلح على تسميته باليوم التالي بعد وقف الحرب تبين أن حماس لا تزال تستطيع أن تجيب دون غيرها عن السؤال الملك هو من يدير أمن الغزاويين العراة في المساحة التي خرح منها الاحتلال الإسرائيلي والبالغة تقريباً نصف مساحة القطاع؛ علماً أن ترامب ذاته أجاب عن هذا السؤال عندما اعتبر في واحد من تصريحاته الأخيرة أنه يسمح لحماس بإدارة الأمن ضد الجريمة في غزة لفترة انتقالية؛ لكنه عاد وقال أنه إذا استمر عناصر حماس بقتل “الناس” فسوف يقتلهم(!!)

وفق خطة ترامب فإن من يدير الأمن في غزة بعد انسحاب إسرائيل هي قوة دولية؛ ولكن أية دولة في العالم لن تقبل بإدخال جندي واحد إلى منطقة لا تزال حماس تشكل حيثية عسكرية فيها. ووفق هذه المواصفات للواقع الحالي في غزة يبدو أن السؤال حول من يدير الوضع الأمني في غزة دخل عنق زجاجة السؤال الإشكالي الأبدي: من يكون قبل البيضة أم الدجاجة؟؟..

في حال انسحبت حماس قبل دخول القوة الدولية إلى غزة، فإن البديل هو جماعات العصابة المنظمة الذين وصفهم ترامب بأنهم سيئون؛ وفي حال لم تنسحب حماس مسبقاً ويتم تفكيك سلاحها، فإن الدول المشاركة في القوة الدولية لن تقبل بالدخول إلى غزة.

هذا الواقع يؤشر بوضوح إلى أن خطة ترامب في جميع مراحلها تحتاج إلى تفاوض كي يصبح تطبيقها أمراً ممكناً. وهذه السمة لخطة ترامب تستفيد منها حماس كونها تقدمها كمفاوص الأمر الواقع الجديد الناشئ بعد الحرب في غزة والذي لا يمكن لا لإسرائيل ولا لواشنطن إلا الاعتراف به، وذلك إذا أراد ترامب فترة انتقالية في غزة لا تقودها العصابات المنظمة، وإذا أراد نتنياهو إستعادة جثامين الأسرى الذين تعرف فقط حماس أماكن وجودهم.

ويسود نوع من الانطباع بأن الفترة الانتقالية في غزة قد تطول؛ ومن ثم قد تصبح فترة شبه دائمة أو بتوصيف أدق “فترة أكثر من انتقالية وأقل من دائمة”؛ وما يشجع على هذا الاستنتاج هو أن خطة ترامب لا تتحدث عن إلغاء حماس سياسياً؛ بل تتحدث عن شطب سلاحها الذي يشكل خطراً على أمن إسرائيل، تماماً كما أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان لا يتحدث عن حظر حزب الله سياسياً بل عن شطب سلاحه. ومن هنا فإن هناك صعوبة أو حتى استحالة تطبيق توليفة انتقال بلدان الأزمات في المنطقة من حالة وقف الحرب كما يريد ترامب في غزة إلى وضعية استمرار إطلاق النار كما يريد نتنياهو في لبنان.. وعليه يصبح المرجح هو مقاربة الوضع الجديد بعد الحرب بصيغة السؤال التالي هل تصبح الفترة الانتقالية في غزة دائمة؟؟. وهل يصبح وقف إطلاق النار في لبنان هو بديل دائم عن وقف الحرب؛ وكل هذا الواقع سوف يخلق حاجة دولية لتوسل إيجاد مرحلة انتقالية تصفي تركة مرحلة الحرب وتمهد الظروف لدخول اليوم التالي الذي يعني وفق مفهومه المتداول الاستقرار والسلام المستدام والخروج من الصراع إلى السلام. وضمن هذا المناخ هناك انطباع بأن المرحلة الانتقالية في كل من غزة ولبنان وسورية قد تصبح دائمة أو أكثر من انتقالية؛ وهنا سوف تكون أميركا مضطرة للتعامل مع قوى الأمر الواقع لغاية تمكنها من إيجاد بدائل للفراغ أو شبه الفراغ القائم على الأرض.

Exit mobile version