خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
أكثر مصطلح سياسي تم تداوله خلال العامين الأخيرين هو مصطلح “اليوم التالي”.
وأول مرة ظهر فيها هذا المصطلح كان القصد منه التوقع المسبق بخصوص كيف سيكون حال غزة بعد وقف الحرب فيها؛ بمعنى “من سيحكم غزة الجديدة من دون حماس”؟؟، هل ستحل مكانها السلطة الوطنية الفلسطينية؛ أم ستعود جزء من مصر؛ أم ستبقى جزيرة معزولة فيها كل مواصفات الأرض الطاردة لسكانها؛ أم ستهجر غزة ويبنى على أرضها ريفييرا عالمية، الخ..
وخلال حرب غزة التي أصبحت حروب غزة الإقليمية، جرى باستمرار تطوير مصطلح “اليوم التالي”؛ بحيث لم يعد مقصوداً فيه حصراً موضوع غزة ومستقبلها بعد وقف الحرب؛ بل صار المقصود أساساً الإجابة بشكل مسبق عن سؤال ما هو “اليوم التالي” في كل المنطقة بعد توقف حرب نتنياهو؛ أي ما هو “اليوم التالي” في لبنان وفي سورية وفي العراق وحتى في إسرائيل ذاتها، الخ..
وضمن هذا المفهوم يمكن القول بكثير من الثقة أن تصعيد نتنياهو العسكري الراهن في لبنان؛ لا يريد التأسيس لحرب شاملة جديدة ضد بلد الأرز؛ بقدر ما يريد استعجال المعنيين في الداخل وفي الإقليم والعالم، للبدء بتطبيق مضمون اليوم التالي المصمم مسبقاً للبنان بعد وقف نتنياهو لحروبه الإقليمية انطلاقاً من غزة!؟.
والواقع أن الفكرة الأساس هنا هي أن حرب غزة بدأت في غزة؛ ولكنها تشظت لتطال كل المساحة الجيوسياسية للشرق الأوسط؛ فضمن أهوالها حدثت أول مواجهة إيرانية – إسرائيلية أميركية؛ وليس بعيداً عن الصلة بحرب غزة سقط نظام وولد نظام جديد في سورية؛ وداخل مشهد حرب إسناد غزة طويت في لبنان صفحة موازين قوى وولدت صفحة موازين قوى جديدة؛ ولم يسلم الخليج من تداعيات حرب غزة المباشرة عليه.
ولا شك أن أهمية اجتماع شرم الشيخ تقع في أن ترامب جاء شخصياً وبإسم مكانة الولايات المتحدة الأميركية وكل ثقلها؛ ليعلن وقف حروب غزة في المنطقة؛ وبالأساس ليعلن وبالدليل المادي أنه الرئيس الأميركي الأقوى داخل إسرائيل؛ وأن نتنياهو ليس أقوى رئيس وزراء إسرائيلي داخل الولايات المتحدة الأميركية حينما تكون هذه الأخيرة منقادة من ترامب..
.. على ذلك فإن ما يمكن توقعه نظرياً – مع إبقاء الحذر موجوداً – هو أن يرغم ترامب نتنياهو على احترام اليوم الترامبي الجديد في الشرق الأوسط، والذي عنوانه الأساس “وقف الحرب” فيه؛ مع ترك نافذة أميركية لنتنياهو كي يستمر بإطلاق النار المحدود (ولكنه المكثف)، طالما أن ذلك يخدم تكتيكات استراتيجية سلام القوة.
ويلاحظ أنه منذ أن جرى عقد اجتماع شرم الشيخ الذي أعلن فيه ترامب وقف الحرب على كل جبهات الشرق الأوسط – حسب ما يقول إعلام ترامب – فإن نتنياهو صعد من منسوب إطلاق النار في لبنان لأعلى درجة مسموح بها تحت سقف عدم شن حرب شاملة؛ واللافت هنا هو أن واشنطن لن تعتبر تصعيد نتنياهو هذا عملاً يقلل من هيبة مبادرة ترامب الشرق أوسطية التي أعلنت وقف كل حروب المنطقة؛ بل إن الإشارات الترامبية واكبت رفع منسوب تصعيد نتنياهو العسكري في لبنان بالحديث عن ظروف مناسبة لفتح نافذة للتفاوض المباشر بين لبنان وإسرائيل.
وما تقدم يعني أن نتنياهو ينقل ثقله العسكري من غزة إلى لبنان؛ فيما وزراء أقصى اليمين (سموتريتش وبن غفير) يريدون نقل الثقل العسكري من غزة إلى الضفة الغربية؛ أما ترامب فقد يكون لألف سبب عربي يفضل أن تنتقل “آلة السلام بالقوة” إلى لبنان، لأن فتح باب التفاوض بين إسرائيل ولبنان سيؤدي لفتح مسارب الصلح الإبراهيمي، فيما نقل آلة السلام بالقوة إلى الضفة سيعقد خطة واشنطن للاندماج الإقليمي والإبراهيمي التي يوجد في صلبها فكرة أميركية أساسية منذ أيام بايدن مفادها أن إطلاق الأسرى سيؤسس ليس فقط لوقف حرب غزة، بل أيضاً لفتح مسارات الصلح الإبراهيمي في المنطقة حسب نظرية جاك سوليفان مسؤول الأمن القومي الأميركي طوال رئاسة بايدن.
